بعد سيل الضربات الموجعة التي تعرضت لها قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، ذلك منذ انهيار نظام الحكم البعثي السابق وسقوط العراق بيد قوات التحالف الأمريكي البريطاني المسنودة صهيونيا، قررت أمريكا أشراك بعض الدول "الخفيفة" والأخرى الصديقة في حربها العدوانية على العراق الشقيق، ومن أجل تكريس احتلالها لبلاد الرشيد، أنيطت تلك المهمة لمجموعة من الدول البائسة، كانت لبولندا صدارتها وريادتها وقيادتها. قد يستغرب المرء لهذا الموقف البولندي الزاحف واللاهث خلف أمريكا وسياستها، لكن العالمين ببواطن السياسة البولندية يعرفون لما كل هذا اللهاث، بل التكالب البولوني النوعي، في التبعية والذيلية. بولندا تبحث عن دور لها بعد انهيار حلف وارسو والمعسكر الشرقي، وهي لا تستطيع الخروج من عقدة الخوف التي تلازمها من جراء جارتيها القويتين روسيا وألمانيا، حيث أن العداء بين تلك الدول له تاريخه الأسود ويقبع على بحار من الدماء وسنوات من العداء، وعدم الثقة والتوجس المتبادل. إضافة لكون أن الحكومة البولندية الحالية هي حكومة حزب اليسار الديمقراطي الاشتراكي والذي هو الوريث الوحيد لحزب العمال البولندي الموحد (الشيوعي سابقا) الذي كان يحكم البلاد في العهد السابق، وقيادة الحزبين تقريبا لازالت هي هي مع تعديلات وتبديلات طفيفة. وهذا بحد ذاته يجعلنا نفهم تكالب القادة السياسيين في بولندا. فكلهم تقريبا ارتكبوا خطايا سياسية واقتصادية، لذا لا نجد منهم من يجرؤ على رمي الآخر بحجر. ثم أن لبولندا سياسة جديدة ترتكز على التوافق مع أمريكا والقبول بكل ما تريده حتى لو تطلب ذلك الوقوف بمواجهة بعض الدول الأوروبية، مثل روسيا وألمانيا وفرنسا. وهذا ما حدث قبل وأثناء الحرب العدوانية على العراق، وما يحدث الآن بصمت بعد دخول بولندا وأخواتها من الدول "الخفيفة"، اللعبة الأمريكية المشبوهة حتى النهاية. كنت قبل أيام قليلة موجودا في بولندا وقد طالعت صحافة البلد وسمعت أخبارها من المذياع الصغير، الذي كان واسطتي الوحيدة للتواصل مع العالم في إجازتي الأخيرة، وقد سمعت الخبر الذي أفاد بأن وحدات من الجنود البولنديين سوف تلتحق بمراكز عملها في العراق خلال أسبوعين، كما استمعت لحديث أحد الجنود الذين سوف يسافرون إلى العراق، حيث قال بأنه ذاهب إلى هناك لتجربة مهاراته واختبار ذاته كجندي، وكذلك لتأمين وتوفير بعض المال.هذا يعني أن الجندي المذكور ليس أكثر من مرتزق ومأجور ذاهب إما للقتل أو لتحصيل المال بأي طريقة. طبعا المكاسب السياسية والإعلامية سوف تكون من نصيب الحكومة الحالية، أما الخسارة في حال تعرضت القوات البولندية لضربات المقاومة العراقية، فستكون من نصيب الجنود ومن ثم من نصيب عائلاتهم، فإذا حدث وقتل أحدهم سيحسب شهيدا مات من أجل السلام العالمي وفي مواجهة الإرهاب العربي والإسلامي! وفي كل الحالتين سيحصد الساسة في بولندا نتائج وجود تلك القوات في العراق المحتل. وهذا ينطبق على معظم الوحدات والجنود الذين سوف يكونوا تحت قيادة القوات البولندية، وهي القوات التي ستتسلم مهمات الاحتلال مكان المارينز الأمريكان، في محافظات النجف وكربلاء وبابل والوسط والقادسية جنوببغداد. وتتألف تلك الوحدات من أكثر من 13500 جندي من دول مختلفة، هي هولندا وبولندا وأسبانيا وايطاليا وأوكرانيا وتايلاند وبلغاريا ورومانيا وهنغاريا ومنغوليا والدومينكان والسلفادور وهندوراس ونيكاراغوا والفيليبين ولاتفيا وسلوفينيا وليتوانيا وكازاخستان وهذه الأخيرة مشاركة ب 27 جنديا فقط لا غير! في نظرة سريعة على نوعية الدول المشاركة وحجم مشاركة بعضها نجد أن الأمر ليس مرتبطا بالعمل السلمي أو الدولي لأجل السلام، بقدر ما هو مرتبط بالخوف أو الخنوع أو التبعية المطلقة للأمريكان، وكذلك بالمال والهبات والعقود وأعمال الشركات التي تنتظر نصيبها من أعادة أعمار العراق، الذي دمرته نفس تلك القوات، والذي سيقوم المواطن العراقي نفسه بدفع فاتورة دمار بلده واحتلاله ودوام الاحتلال في دياره. طبعا يجب أن لا يغيب عن بالنا أن تلك الدول وفي المقدمة منها أمريكا وبريطانيا وبولندا، تعتبر دولا معتدية وخارقة للقوانين الدولية واللوائح القانونية العالمية، وهي دول احتلال فرضت نفسها وسلطتها ووجودها العسكري والأمني بالقوة داخل العراق، وأن كل تلك القوات الأجنبية العاملة في العراق تعتبر قوات احتلال يجوز مقاومتها وملاحقتها ومهاجمتها،لأنها تعمل بمعزل عن المجتمع الدولي وبلا أية قرارات دولية تخولها العمل أو الوجود والبقاء في العراق. لغاية الآن لازالت الولاياتالمتحدة عاجزة عن إيجاد أية أدلة فعلية على امتلاك العراق لأية أسلحة محظورة، مع العلم أن شعار الحرب العدوانية على العراق كان تلك الأسلحة وليس أي شيء آخر. ومادامت أمريكا عاجزة عن إثبات صحة تقاريرها الملفقة ومعلومات استخباراتها الكاذبة، فأن أية معلومة تصدر من أمريكا وحلفاؤها في الحرب على العراق تعتبر معلومة غير ذات قيمة وليست مفيدة وغير قابلة للتصديق ومشكوك في صحتها. * كاتب فلسطيني يقيم في النرويج "عن ميدل إيست أونلاين"