غضب احد قرائي الاعزاء حينما حملت الغرب جزءا كبيرا من المسؤولية, في قضية تزايد العنف بين اوساط الاطفال والفتيان, في مقالة سابقة لي, اوضحت فيها بالبراهين الاثار الخطيرة التي تتركها المشاهد العدوانية والعنيفة في البرامج التلفازية بشتى انواعها, ومنها الرسوم المتحركة, وافلام الرعب, على نفسيات المشاهد الصغير او الفتى اليافع. وتركت مناقشة من قال ان ذلك من باب تبادل الاتهام بين الشرق والغرب, لانني مؤمن بان لكل انسان رأيه, وان الكاتب اذا اوضح رأيه ودلل عليه, فان ذلك يكفيه, وكل ما سيقوله بعد اعتراض الاخرين مجرد جدل, وتكرار لما قال. ولكن حينما وقع في يدي عدد ربيع الاخر من مجلة المعرفة, وجدت فيه نتائج دراسة بريطانية جديدة تؤكد النتائج التي ذهبت اليها من قبل, نشرتها صحيفة ديلي ميل البريطانية في 10 مارس 2003م, بقلم جيني هوب, دراسة استمرت خمسة عشر عاما, حيث كشفت النتائج المزعجة ان الصبية والبنات الذين يشاهدون تلك الافلام, حينما يبلغون تصبح احتمالية اشتراكهم او تورطهم في اعمال عدوانية اربعة اضعاف المعدل الطبيعي, لا سيما حينما يعتقدون ان ما يرون حقيقة. بينما اوضحت دراسة اخرى ان عدد المناظر العنيفة تضاعفت في الفترة الاخيرة, مما يجعل تضاعف اثارها واردا, لاسيما وقد صاحب ذلك انطلاق البث المباشر من جميع اقطار الارض, فان اي مشهد يبث الان في هذا الفضاء المترامي, سواء اقصدنا به نحن في الشرق ام لا, فاننا معرضون لاثاره التدميرية. ان هذه الدراسة الطويلة الامد والتي تابعت الاطفال الذين سألتهم وهم في سن 7 -10 سنوات عما شاهدوا, ثم وجهت لهم اسئلة اخرى حين دقوا ابواب الثلاثين من العمر للتعرف على الآثار المترتبة على ما شاهدوه تشي بجديتها, وبعمق النتائج التي خرجت بها, لقد ظهر ان الذين شاهدوا نسبة كبيرة من البرامج العنيفة في طفولتهم كانوا اكثر عرضة لاساءة التصرف مع زوجاتهم بمعدل ثلاثة اضعاف, واتسمت ردود افعالهم بالعنف تجاه اي اساءة, واتهم بعضهم بارتكاب مخالفات جنائية او مرورية. ان الدكتور هوسمان الذي اجرى الدراسة في جامعة ميتشجان يؤكد على ان الاطفال جميعهم تزداد عدوانيتهم بمشاهدة افلام العنف, وليس كما يقال ان الاطفال الاكثر عدوانية يختارون مشاهدة البرامج التلفازية العنيفة.. كأنه يريد ان يقول: ان كل اطفالنا معرضون للتأثر السلبي حينما يشاهدون هذا النوع من البرامج بلا استثناء. لقد كان من بين الجرائم التي ارتكبها مشاهدو العنف والدعارة في الصغر بعد ان كبروا عمليات اغتصاب, وادمان مخدرات, وعلاقات عاطفية شاذة, وحوادث اختطاف مصحوبة بعمليات قتل.. (يا ستير..)!! انني لست بصدد الدفاع عن رأي قلته, ولكني بصدد هذا القلب المتحرق بين جنبي على اطفال وطني وأمتي, الذين تصوغهم شاشة صغيرة يضعها الآباء والامهات امامهم دون وعي كاف بخطورة مايبث لهم, وما يشكل انماط شخصياتهم, وما يعدهم للمستقبل. لقد استوقفني احد الآباء مرة, فقال لي وهو يشير الى طفله الذي لما يدخل المدرسة بعد: انه لايريد ان يأتي الى المركز.. انه مشغول 24 ساعة بمشاهدة افلام الرسوم المتحركة في القناة المختصة بها.. اننا نفشل حقا في انتزاعه منها.. ليست هذه الحالة وحدها التي تمثل هذه المأساة, ولكنها حالة كثير جدا من اطفال المسلمين اليوم.. وحينما ندقق النظر في نوع ما يختارون مشاهدته فسنجد انه مقسم بين مشهد مرعب نفسيا, او مثير لا أخلاقيا, او مثير عصبيا, وتقل مشاهدتهم لما سوى ذلك من برامج مصنفة في خانة المنفعة والتنمية الذهنية او الروحية او حتى المشاهد الاخبارية. والعبء الاكبر, والمسؤولية العظمى ملقاة على عاتق الآباء, حين يبذلون المال والوقت والراحة بسخاء لحماية أولادهم من مرض او اخفاق في الاختبار, بينما يسلمونهم امام هذه الشاشة المفتوحة على كل خزايا العصر الحديث, ليمتصوا كل ما يجلب المرض والاخفاق في المستقبل, بل وما يؤثر على سلوكهم فيما بينهم, حاليا حيث تزداد المشاجرات فيما بينهم بشكل فظيع, وما يؤثر على سلوكهم في الحياة مستقبلا, ويؤثر على سلوكهم معهم ايضا حيث ازدادت ظاهرة العناد في البيوت, وتعالي الصبية والمراهقين على آراء آبائهم وتوجيهاتهم الى درجة اعلان العصيان. وليس امامنا الا ان نحمي اولادنا من كل هذا التمرد المتوقع بان نتقي الله في كل ما نسمح لهم بأن يشاهدوه, وان نختار البديل.. ولن نعدمه لو اردنا.. لو اردنا بصدق بدلا من ان نشاركهم في ما يشاهدون فنكون لهم قدوة غير حسنة!! والله الهادي الى سواء السبيل