شيعت جنوب افريقيا جثمان الرئيس الأسبق نلسون مانديلا امس الأحد، لتسدل الستار على مرحلة مهمة في تاريخها المضطرب وتستهل مرحلة جديدة تكتشف خلالها ما إذا كان النظام الديمقراطي متعدد الاعراق الذي اسسه يستطيع الاستمرار دون أحد ركائزه. وجمعت الجنازة الرسمية لمانديلا، الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي اودع في السجن لمدة 27 عاما وخرج منه داعيا للصفح والمصالحة، بين المراسم العسكرية وطقوس الدفن التقليدية لقبيلته. وحضر الجنازة نحو 4500 ضيف من اقاربه وكبار المسؤولين في جنوب إفريقيا وولي عهد بريطانيا الامير تشارلز والنشط الامريكي في مجال حقوق الانسان جيسي جاكسون والمذيعة الامريكية الشهيرة اوبرا وينفري. وقال سيريل رامافوسا نائب زعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم وأحد منظمي المراسم الجنائزية مع بدء الجنازة: "يرقد هنا أعظم أبناء جنوب إفريقيا". وخرج نعش مانديلا من المنزل على عربة مدفع وأطلقت المدفعية 21 طلقة. ونقل النعش المغطى بعلم جنوب إفريقيا إلى خيمة كبيرة ودخل خلفه حفيد مانديلا ووريثه ماندلا، ورئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما. وبدأت المراسم بالنشيد الوطني لجنوب إفريقيا. توفي مانديلا في الخامس من ديسمبر عن 95 عاما. ونظمت جنوب إفريقيا مراسم تأبين دامت أسبوعا لأول رئيس أسود لجنوب إفريقيا. وقال زوما في رثاء مانديلا: "انها نهاية 95 عاما مجيدا لمقاتل من أجل الحرية كرس حياته لخدمة شعب جنوب إفريقيا بكل تواضع". وقال: "رغم انتهاء المسيرة الطويلة من أجل الحرية فعليا، الا ان الرحلة مستمرة، علينا ان نواصل بناء المجتمع الذي عمل بلا كلل لتأسيسه ينبغي أن نواصل السير على خطاه". والقى أكثر من مائة ألف شخص نظرة الوداع على مانديلا في مبنى يونيون بيلدينجز في بريتوريا، حيث مقر الحكومة، وهو نفس المكان الذي شهد تنصيبه ليسدل الستار على هيمنة البيض على الحكم التي دامت ثلاثة قرون. وعندما وصل جثمان مانديلا السبت إلى مسقط رأسه في كونو على بعد 700 كيلومتر جنوبي جوهانسبرج، أطلقت الزغاريد لأن ماديبا وهو الاسم الذي يعرف به مانديلا في قبيلته "عاد للوطن". وقالت الجدة فيكتوريا نتسينجو، وطائرات الهليكوبتر التي ترافق الموكب الجنائزي تحلق في السماء: "بعد حياة طويلة ومرض يمكنه الآن أن يستريح.. لقد أتم عمله". وفي جميع انحاء البلاد تابع المواطنون شاشات التلفزيون او استمعوا للاذاعة وفي بعض الاماكن وضعت شاشات ضخمة تنقل الحدث على الهواء مباشرة. وقال مسيدج سيباندا (29 عاما)، الذي جلس مع نحو مائة شخص في ساندتون حي المال، في جوهانسبرج، لمتابعة الجنازة: "كونو بعيدة جدا.. تجمعنا لنتشارك الاحزان.. استطيع أن أقول انه بطل.. انه رجل الشعب". وخلال الجنازة نعى اصدقاء واقارب وزعماء افارقة مانديلا بكلمات مؤثرة. وقال صديق عمره أحمد كاثرادا الذي كان نزيلا معه في سجن روبن ايلاند: "ربما يغمرنا الحزن والاسى، ولكن ينبغي ان نفخر ونشعر بالامتنان لاننا بعد طريق طويل مليء بالعقبات والمعاناة يمكننا ان نحييك كمحارب من أجل الحرية". ومضى قائلا بصوت متهدج استدر دموع عدد كبير من المشاركين: "وداعا اخي العزيز ومعلمي وقائدي". واثنى رئيس وزراء اثيوبيا هيلا مريم ديسالين على إسهامات مانديلا في الكفاح من أجل التحرر في إفريقيا. وقال: "حياة ماديبا مرآة للقارة التي كافح دون كلل من أجل تحررها.. ستظل إفريقيا مدينة له للابد". ورأس مانديلا أكبر دولة في افريقيا، صاحبة الاقتصاد الاكثر تطورا في القارة، لولاية واحدة وانسحب رسميا من الحياة العامة في عام 2004، وقال عبارته الشهيرة للصحفيين في ختام مؤتمر صحفي لوداعهم "لا تتصلوا بي سأتصل بكم". وكان آخر ظهور لمانديلا على الملأ في استاد سوكر سيتي في جوهانسبرج لحضور المباراة النهائية في كأس العالم لكرة القدم عام 2010، حيث لوح للمشجعين من سيارة جولف.