عاد أخيراً نلسون مانديلا إلى الأرض التي أحبها في كونو قرب مسقط رأسه في إقليم الكاب شرق جنوب أفريقيا، ل «يرتاح بسلام» بعدما «أنجز واجبه إزاء شعبه وبلده»، إذ حررهما من عبودية الفصل العنصري ليصبح إحدى أساطير القرن العشرين. مانديلا الذي دُفن قرب منزله إلى جانب والديه وثلاثة من أبنائه، اعتبره رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما «مقاتلاً من أجل الحرية، كرّس حياته لخدمة شعب جنوب أفريقيا بكل تواضع». وأضاف خلال مراسم الدفن، مخاطباً الراحل: «طريقك الطويل إلى الحرية انتهى بالمعنى المادي للكلمة، لكن رحلتنا مستمرة. علينا مواصلة بناء المجتمع الذي عملت من أجله، وأن نبقي الإرث حياً. جنوب أفريقيا ستكبر لأننا لا نريد أن نخيب أملك. نعدك بمتابعة تشجيع التسامح ومجتمع متعدد الأعراق في بلدنا، وبناء جنوب أفريقيا تنتمي إلى الجميع». وخرج نعش مانديلا من منزله على عربة مدفع، وأطلقت المدفعية 21 طلقة. النعش المغطى بعلم جنوب أفريقيا، أُدخل خيمة ضخمة بيضاء نُصبت للمناسبة، ودخل خلفه حفيد مانديلا ووريثه ماندلا، وزوما، في حضور أرملة الراحل غراسا ماشيل وزوجته السابقة ويني مانديلا، فيما حلّقت مروحيات عسكرية ومقاتلات. وشارك حوالى 4500 شخص في مراسم التشييع التي بدأت بالنشيد الوطني لجنوب أفريقيا، وشهدت غناءً ورقصاً. وقال سيريل رامافوسا، نائب رئيس حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» الحاكم: «هنا يرقد أعظم أبناء جنوب أفريقيا». أما أحمد كاثرادا، صديق عمر مانديلا وكان معه في سجن روبن آيلند، فقال: «ربما يغمرنا حزن وأسى، ولكن يجب أن نفخر ونشعر بامتنان لأننا، بعد طريق طويل مليء بعراقيل ومعاناة، يمكننا أن نحييك محارباً من أجل الحرية». وأضاف بصوت متهدج استدر دموع حاضرين: «وداعاً أخي العزيز ومعلمي وقائدي». وأشاد رئيس وزراء إثيوبيا هيلا مريم ديسالين على إسهامات مانديلا الذي يُعرف أيضاً باسمه القبلي «ماديبا»، في الكفاح من أجل التحرر في أفريقيا، قائلاً: «حياة ماديبا مرآة للقارة التي كافح من دون كلل من أجل تحررها. ستظل أفريقيا مدينة له إلى الأبد». مراسم الدفن كاميرات التلفزيونات التي كانت تنقل وقائع التشييع، ابتعدت لحظة دفنه، استجابة لرغبة العائلة التي أرادت أن يُدفن بلا ضجيج، معلنة أنها لن تسمح بالتقاط أي صور أو تسجيل فيديو. ثم عادت الكاميرات بعد ثوانٍ إلى المكان الذي بات خالياً وحيث وُضع نعش أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، ليرقد بسلام أبدي. مراسم الدفن تمّت في حضور 450 مدعواً اختيروا من أقارب الراحل أو أصدقائه المقربين، بينهم قادة بارزين في «المؤتمر الوطني الأفريقي» والناشط الأميركي في الدفاع عن الحقوق المدنية جيسي جاكسون وولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز وأمير موناكو ألبير الثاني والمذيعة الأميركية أوبرا وينفري والوزيران الفرنسيان السابقان ليونيل جوسبان وآلان جوبيه ورجل الأعمال ريتشارد برانسون ورئيس الوزراء السابق في زيمبابوي مورغان تسفانجيراي. طقوس الدفن التقليدية أُجريت بحسب شعائر قبائل «كوزا»، تحت إشراف زعماء من قبائل «تيمبو» المتحدرة من «كوزا»، وتضمّنت ذبح ثور لإرضاء أرواح الأجداد. وقال جوغينيانيسو متيرارا الذي ينتمي إلى قبائل «تيمبو» إن «التشييع مراسم معقدة تتطلب الاتصال بالأجداد وإفساح المجال لروح الميت لترتاح». وألقى وجهاء من «تيمبو» كلمات أمام القبر في كونو التي كان يردد الراحل أنه أمضى فيها افضل أوقات طفولته، علماً أنه وُلد في قرية مفيزو المجاورة عام 1918، وتوفي في 5 الشهر الجاري وعمره 95 سنة. وكان مانديلا قال عام 1996: «عندما ينجز رجل ما يعتبره واجبه إزاء شعبه وبلده، يمكنه أن يرتاح بسلام. أعتقد بأنني قمت بهذا الجهد».