ظاهرة المجالس الادبية في الاحساء، ظاهرة تستحق التأمل.. ولا يختلف احد على الدور الذي تؤديه في خدمة الثقافة، الا ان اصحابها الذين ينفقون من مالهم واوقاتهم وجهدهم متهمون بالبحث عن الوجاهة الاجتماعية وتحقيق مجد ليس لهم، لاسيما ان اولئك لا ينتمون الى الثقافة او الادب لا من بعيد ولا من قريب، حتى ان الاتهامات تطال مرتادي هذه المجالس الذين يرى البعض انهم يذهبون اليها لتضييع الوقت وتناول وجبة دسمة لانهم بعيدون عن الامور الثقافية والادبية ولا يربطهم بها اي رابط. وكانت هذه المجالس تستقطب حتى وقت قريب الكثير من المعنيين بالشأن، الثقافي لكنها اصبحت تعرض مرتاديها لاتهامات عدة بسبب كثرتها التي جذبت الانظار اليها ووضعتها تحت عيون النقد لتقييمها والبحث في جديتها، وبحثت كذلك في علاقة اصحابها ومرتاديها بقضايا الثقافة. الناقد والشاعر محمد الحرز - احد ابرز مثقفي الاحساء - قال: المجالس الادبية في الاحساء ليست ذات طبيعة فاعلة، وانتشارها الواسع والمتكاثر ليس دليلا على وعيها الثقافي المؤثر، وليست كذلك مؤشرا على انفتاحها على مجمل شرائح وفئات المجتمع، وظيفتها الاساس حسبما اراه من خلال واقعها المعاش لا تتعدى كونها وظيفة تعزز من موقعية اصحابها ومرتاديها بين المجتمع، وذلك على حساب الثقافة والادب في اغلب الاحيان، ولست هنا اشير الى مسألة الثقافة باعتبارها وجاهة اجتماعية فقط، وانما باعتبارها ايضا ممارسة تأخذ مشروعيتها وثقتها المطلقة من خلال حضورها في هذه المجالس واخذ الاطراء والمباركة من مرتاديها، وهو موقف تقليدي لا يساعد كثيرا في تفعيل ثقافة هذه المجالس، ولا يحركها ويدفعها الى الامام خصوصا اذا ادركنا اهمية التواصل والحوار بين فئات المجتمع ثقافيا وادبيا شريطة ان يكون تواصلا وحوارا يعزز من موقعية الوعي النقدي الثقافي الاجتماعي منه والادبي بجميع انواعه، عدا ذلك لا يكون الحوار سوى نافذة ضيقة لاتلبي احتياجات الثقافة الادبية المعاصرة، ولا تذهب في الاتجاه الذي يقضي الى انتاج مبدعين ومثقفين على قدر من الوعي والمسؤولية في تحريك المشهد الثقافي في جميع الاتجاهات لاسيما ونحن نعيش عصر الانفتاح بالمعنى الدقيق للكلمة قد يبدو ما نقول مؤلما وفيه شيء من القسوة ولكن من يطلع عن قرب ويتأمل ما يجري داخل هذه (الصالونات) الادبية يشعر بالمرارة الجارفة والارتباك ليس بسبب النظرة التقليدية الجامدة للادب والثقافة فقط، وانما الاهم هو غياب الاهداف الاستراتيجية عن وعيهم الثقافي، والذي هو شرط ضروري في انجاح هذه المجالس على المدى البعيد، واكبر دليل على ذلك انك لا تجد هذه المجالس تتبنى نشاطات متنوعة بالتنسيق مع بقية المجالس وحتى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية اذ من شأن هذه النشاطات الابتكارية سواء على مستوى الرؤية الى الابداع او الثقافة بشكل عام ان تظهر الطاقات الابداعية للفرد بحيث توجهها الى الطريق الصحيح، علاوة على ذلك سوف نجد دون ادنى شك ان هذه المجالس قد تحولت الى مجالس تثقيفية ليس للنخبة فقط (وهذا ادعاء زائف في اغلب الاحيان) وانما لكل افراد المجتمع الاحسائي بجميع فئاته المختلفة. يسعى المسرحي عبدالرحمن الحمد ان تكون المجالس والصالونات المنتشرة الان بالاحساء امتدادا لظاهرة مجالس الادب والعلم التي انتشرت قديما في الاحساء وولدت العديد من الاتجاهات المتباينة في الفكر والثقافة والتي اثرت بدورها الساحتين الدينية والثقافية. وقال انه لا يمكن المقارنة بين بيوت العلم كظاهرة تاريخية افادت الناس وكانت لها تأثيرات جذرية على الحياة العامة، وبين ما يحدث الآن. واضاف الحمد ان بعض هذه المجالس لها ايجابياتها مشيرا الى الدور الذي تلعبه احدية المبارك في خدمة الثقافة والمثقفين خاصة ان صاحبها الشيخ احمد المبارك مثقف حقيقي وله خلفية ثقافية غير عادية، اما الاخرون يقول الحمد - فهم يتبنوها كواجهة اجتماعية ولابراز اسماء عائلاتهم من جهة. او للدعاية البحتة والتعبير عن وجوده، وبالتالي تلحظ عدم التزام هذه المجالس بتوجيه او طرح معين لان القائمين عليها ليس لهم علاقة بالثقافة او الثقافة بالنسبة لهم ليست هما بقدر ما هي ترف. وعلل الحمد حديثه بانه لا يرى لهذه المجالس اي تأثير اجتماعي، او ثقافي او اقتصادي على المحافظة او على الناس مشيرا الى ضعف المواضيع وهشاشة القضايا المطروحة، ومؤكدا ان مناقشة قضايا جادة متصلة بالمكان واهله واجهزته ممكن ان تنعكس ايجابا على الجميع خاصة الهيئات والمصالح، بينما معظم طروحات هذه المجالس لا تسمن ولا تغني من جوع وتمنى الحمد ان تكون هذه المجالس مفيدة للمجتمع وان تكون مواضيعها متنوعة في الثقافة والاقتصاد والسياحة وكل ما يخدم الوطن واضاف الحمد متسائلا: هل تثري هذه المجالس الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية او اي مجال آخر في الاحساء لا اعتقد ان الاجابة ستكون بنعم. يرى الدكتور محمد الهرفي ان الاحساء معروفة منذ زمن بعيد بهذه المجالس وان الاشكالية الاساسية تكمن في عدم وجود ناد ادبي يبرز مواهب الادباء والشباب ويتبنى طروحاتهم. وبالتالي فان هذه المجالس تصبح هي المجال الرئيسي للشباب لابراز مواهبهم الدكتور الهرفي ان هذه المجالس تنمي المواهب وتجمع، الناس على اراء متقاربة من خلال تبادل وجهات النظر في القضايا الثقافية والاقتصادية والاجتماعية خاصة في ظل غياب ناد ادبي يجمع المثقفين للتنافس في قضايا الامة سواء كانت ثقافية او اجتماعية او فكرية في هذه المرحلة المليئة بالاحداث والمتغيرات. يختلف الدكتور ظافر الشهري مع الرأي السابق ويرى ان المجالس الادبية في الاحساء جديدة باستثناء احدية الشيخ احمد المبارك التي تناقش قضايا مهمة جدا تجعلها تأخذ الصفة الادبية، وعلى العكس من ذلك نجد المجالس الاخرى التي ليس للقائمين عليها او لمرتاديها علاقة تذكر بالثقافة او الادب. والحقيقة ان مجلس المبارك هو الاول وهو الرائد والبقية مجالس طارئة وبالتالي فان اي تأصيل لهذه المجالس فان الاحدية هي المجلس الادبي الاصيل الذي يتميز بجدية الطرح واهم ما يميزه الطابع الادبي والثقافي العلمي لصاحبه اما المجالس الاخرى، ولا نقلل منها ومن جهود اصحابها لايزال عطاؤها واداؤها محدودا جدا.. ويجب ان تفعل نشاطاتها واذا اراد اصحابها ان تكون ذات خصوصية ادبية ان يركزوا على المتخصصين. ويشير الدكتور الشهري الى ان هذه المجالس تمثل واجهة حضارية للثقافة في المحافظة وتعكس اهتمام اهل الاحساء بالادب والثقافة اكثر من غيرهم في المناطق الاخرى. في الختام ان الساحة الثقافية في المملكة متسعة وكل نشاط ثقافي يسعى بالتأكيد الى تخصيب هذه الساحة بغير شك، لكن هل يحضر هذه المجالس المثقفون الحقيقون؟ هل ما يلقى بها من محاضرات يصب في خدمة الثقافة والابداع؟ وهل استطاعت هذه المجالس ان تقدم اصواتا ووجوها ابداعية جديدة في الشعر والقصة والرواية والنقد مثلا: اذا كانت تقوم بشيء من هذا فانها تكون مفيدة ورافدة للادب والثقافة، وان كانت الاجابة ب (لا) فيجب ان تتوقف فورا او تكون الاتهامات الموجهة لها ولاصحابها حقيقية.. واذا كان القارئ لم يجد في هذا الطرح ما يمكن ان يضيف له فعليه بالكتابة الينا دون تردد.