تعالت نداءات الباعة من جديد في العديد من أسواق بغداد، وعادوا يظهرون بكثافة كما كانوا في الأيام السابقة على غزو القوات الأمريكية للعراق، إلا أن الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ في ظل حالة الفراغ الإداري والسياسي الحالية. المشهد اختلف في الأيام القليلة الماضية بعد أن خفت وتيرة عمليات السلب والنهب، فبعد أن كانت الأسواق خالية إلا من بائع أو اثنين، عاد الجميع الآن ينادون على بضائعهم بحماس. ويقول فراس العبيد من سكان بغداد: "قلة البيع في الأيام السابقة فرضت علينا تحكم بعض التجار الذين غالوا في سعر بضائعهم لنا، مستغلين عدم وجود سلطة تضع حدًّا لهذه المغالاة". وتدخلت أم مريم فقالت: "لقد كانوا يرفضون أن يبيعوا أقل من كيلو من الخضراوات أو من اللحوم التي نحتاجها لتحقيق أكبر ربح ممكن، وهو ما كان يمثل مشكلة بالنسبة لنا؛ لآن الثلاجات لم تكن تعمل". وتضيف أم حميد: "كنا نجد مشكلة خصوصًا في اللحوم، فكنا لا نعرف إن كانت لحومًا صالحة أم أنها لمواش نفقت؛ حتى إن لحم الغنم الذي تشتهر به العراق لم يكن مذاقه كالسابق". ورغم كثرة الباعة، فإن كل شيء قد ارتفع ثمنه عن السابق، فكيلو اللحم الذي كان لا يتجاوز 2500 دينار أصبح الآن ب7500 دينار (الدولار يساوي 2000 دينار). كما أن الطماطم التي كان سعرها 150 دينارًا وصل سعرها الآن إلى 1500 دينار، والموز أصبح من الفاكهة التي يندر رؤيتها عند غالبية العراقيين؛ فالكيلو منه يباع ب4500 دينار. والانتقال من الأسواق يفرض على العين مشهدًا متكررًا لطوابير السيارات التي تتزاحم أمام محطات الوقود لتشتريه بالسعر الحكومي القديم. العرقجي يتداول العراقيون قصة عبد (العرقجي)، المنبوذ بسبب احتسائه الدائم للخمر، وسلوكه الشائن، ولكنه تحول إلى بطل أسطوري. استدرج جنديا أمريكيا، بعد ان أغراه بقنينة خمر إلى زقاق ضيق، ثم طعنه بسكين وقتله. كرم رغم الظروف المالية للعراقيين، غير ان صفة الكرم العربي لا تزال تلازمهم بقوة، فما ان يعرف العراقي أنك غريب حتى يصر عليك وبقوة ان تكون ضيفه، حينها سيكون على استعداد ان يحرم أطفاله من طعامهم حتى يقوم بواجبك. وهو لا يرجو من وراء ذلك أي شيء سوى إكرام الضيف. انتظام رغم عدم وجود سلطة إلا ان العراقيين ينتظمون في قيادة السيارات ، ومن النادر ان تجد من يخالف قواعد المرور، وقد تعود العراقيون على أعلى درجات الانتظام، والبعض يخشى الحوادث المرورية فلا توجد سلطة مرور تستطيع ضمان حقه. سيارات كثير من السيارات التي شاهدناها في الشوارع، وبشكل خاص السيارات الحديثة، كانت بلا لوحات، ويقال أنها مستوردة حديثاً، أو سيارات يقودها مواطنون من دول أخرى مجاورة (كويتيون، سوريون، أردنيون، إيرانيون)، ولكنهم يفضلون نزع تلك اللوحات حتى لا يعرف أنهم أجانب، فيتعرضون للمشاكل، حسب اعتقادهم. فيما يقال ان كثيرا من السيارات مسروقة أما من مسئولين سابقين أو من دوائر حكومية، ويعمد سارقوها إلى اخفاء هويتها. تمور حين وصلنا إلى بغداد لم يكن رطب نخيل المدينة قد نضج بعد، غير ان نخيل البصرة نضج بعض ثمارها، ولعل السبب ارتفاع حرارة الجو هناك، قياساً لبغداد.