يتحدث العالم عن نفط العراق وكيف انه سيغرق الاسواق خلال بضعة شهور ان لم يكن بعد اسابيع محدودة لكن في العراق نفسه فالوضع مختلف تماما..الفوضى ضاربة اطنابها والسلب والنهب وخوف العاملين على حياتهم يعوق أي محاولة لاعادة وقوف هذه الصناعة على قدميها. مسئول كبير في صناعة النفط العراقية جاء به الامريكيون اكد هذه الحقيقة امس عندما قال صراحة كيف نأتي بأحد الى العمل ونحن لا نضمن سلامته. اذا كان هذا هو الاسلوب الذي سندير به صناعة النفط فانه محكوم عليه بالفشل. هذا هو رضوان السعدي رئيس القطاع الاقتصادي والمالي بوزارة النفط العراقية الذي يذهب كل يوم الى عمله بالمواصلات العامة فقد يكلفه استخدام سيارته الرسمية حياته ففي الاسبوع الماضي قتل لصوص مسلحون احد زملائه واصابوا اثنين آخرين في محاولة لسرقة سيارات رسمية حيث تكونت قناعة لدى معظم العراقيين بعد سقوط نظام صدام ان كل شيء اضبح مباح ومشاع. كان السعدي يتحدث للصحفيين من مكتبه الذي سرق اللصوص منه حتى فرشاة اسنانه الناس يخشون قيادة سيارة لمسافة ثلاثة كيلومترات الى وزارة البترول في بغداد. كيف نتوقع منهم الوصول الى حقول النفط. لقد بدا متشائما وهو يكشف حقيقة الوضع على الارض فقد لخص حلمه في نأمل على افضل تقدير ان ننتج ما يمكننا تكريره. وحتى هذه الامنية تبدو في تقديره مهمة صعبة بعد ان وصل الامر باللصوص الى حد اطلاق النار على خطوط الانابيب لسرقة البنزين وبيعه في السوق السوداء. وقال السعدي الذي كان شقيقه عامر السعدي مسئولا بارزا عن برنامج الاسلحة العراقية المحظورة في عهد صدام قلنا لهم (الامريكيين) من اليوم الاول ان يؤمنوا محطات البنزين ومستودعاته... الآن ترسخت اقدام الباعة في السوق السوداء وهم لن يتخلون عن موقعهم هذا قريبا. الطريف في الامر هو ان السعدي نفسه يشتري البنزين من السوق السوداء حتى لا يمضي نصف يومه واقفا في طابور طويل امام محطات البنزين التي اصبحت خاوية على عروشها. ويباع البنزين بسعر 500 دينار للتر في السوق السوداء اى عشرة امثال سعره في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين. على الجانب الامريكي يبدو ان الامور اكثر انفلاتا وغياب السلطة واضح تماما في الشارع العراقي. فرغم التغييرات التي اجرتها واشنطن في قمة هرم سلطة الاحتلال لم يحدث أي تغيير يذكر ولم يزد بول بريمر الحاكم المدني الجديد للعراق عن سلفه جاي غارنر سوى تجديد تعهدات واشنطن قولا لا فعلا بالقضاء على الجريمة في شوارع بغداد. ومنذ الآن بدأ مراقبون يخبرون الشأن العراقي يتحدثون عن ان بريمر قد لا يستطيع البقاء في العراق اكثر من الشهر الذي لم يكمله سلفه جاي غارنر وقد يحتاج الرئيس بوش مراجعة تاريخ العلاقة بين السلطة والشعب في العراق قبل ان يعجم عيدان مرشحيه ليرمي العراقيين منها بحاكم جديد. الغريب في الامر ان مسئولي الادارة الامريكية يعتقدون ان الامن في بغداد بوضعها الحالي افضل مما هو عليه الحال في عاصمتهم واشنطن. فقد نقل عن بعض هؤلاء المسئولين ان الوضع هنا في بغداد اكثر امانا منه في مدينة نيويورك وان العنف في مدينة بحجم بغداد امر متوقع مما زاد من مخاوف العراقيين. والمؤسف في الامر ان هذا الكلام جاء من مسئول في ما يعرف باسم مكتب اعادة الاعمار والمساعدات الانسانية الذي يرأسه بريمر شخصيا وورد في احد الاجتماعات المتكررة التي يعقدها مسؤولو وزارة النفط العراقية مع مسؤولين امريكيين في اجتماعاتهم وتصريحاتهم لوسائل الاعلام وامام مجلس الامن يقول الامريكيون نحن لسنا محتلين. نحن هنا للقيام بأمور معينة ثم نرحل اما ماهي هذه الامور المعينة فلا احد استطاع معرفة حقيقتها وكلما تشير له ممارساتهم انها لا تصب في خانة المصلحة العراقية. وهذا الكلام يقوله اصدقاؤهم المقربون من العراقيين في العاضمة بغداد وقد صرح احدهم بقوله نحن لا نصدقهم لكن يجب ان نكون صرحاء . لقد ابدوا تعاونا كبيرا وهم مستعدون لتسهيل الامور علينا. ويقول العراقيون ان مسؤولي مكتب بريمر الذين التقوا بهم ضجروا كذلك من الوضع الامني الذي لا يمكنهم كمدنيين السيطرة عليه. ويقول السعدي نفسه وهو احد هؤلاء الاصدقاء جاءوا بخطط جيدة ونوايا حسنة لكنهم لم يحققوا الكثير على ارض الواقع. هذا الخرق للقانون والنظام الذي عجز الامريكيون عن احتوائه يبعد الناس عن الشوارع وعن ممارسات نشاطاتهم اليومية كما يعوق محاولات انعاش قطاع النفط العماد الرئيسي للاقتصاد. شهادة السعدي بان الامن خارج نطاق السيطرة. وتزداد الصورة قتامة كل يوم. افضل دليل فهو عضو في فريق يقوده ثامر غضبان الذي ولاه الامريكيون وزارة النفط هناك ايضا شاهد آخر هو الخبير النفطي المخضرم شامخي فرج من مكتبه بالوزارة التي تحميها القوات الامريكية اكثر من أي مكان آخر في بغداد لم اكن اشعر بالخوف وقت القصف لكني خائف الآن... هذا يؤثر على عملنا. لم نتحرك خطوة واحدة من حيث كنا قبل اربعة اسابيع. ويضيف حتى القلة الذين يأتون للعمل لا يجدون ما يشغلهم طوال ساعات العمل خاصة عندما تتعطل التليفونات. ويقول البعض من امثال فرج ان العراقيين لو كانوا تركوا لحالهم لاصلحوا الخدمات الاساسية باسرع بكثير مما يفعل الامريكيون فهم الذين اعادوا بناء البلاد بعد حرب عام 1991. ولا يقتصر الخوف على الامن الشخصي على اروقة وزارة النفط ومبانيها التي خرج منها اللصوص يحملون اجهزة الكمبيوتر والبرادات والسيارات والملفات. بل امتد الى حقول النفط العراقية العملاقة التي كانت تضخ نحو 5ر2 مليون برميل يوميا قبل الحرب التي شنتها الولاياتالمتحدة. وتجاهد صناعة النفط التي كانت ذات يوم عملاقة في العراق للعودة للحياة كما ان المسؤولين يخفضون تقديراتهم السابقة لمستويات الانتاج المستهدفة. وتعمل المصافي بطاقة لا تتجاوز 250 الف برميل يوميا من الخام اي بنصف طاقتها القصوى ليتحول العراق الغني بالنفط الى مستورد للبنزين وغاز البترول المسال.