عندما تتزاحم السيارات قرب التقاطعات ونقاط التفتيش المنتشرة داخل مدينة بغداد العراقية وضواحيها، تشن أفواج من الباعة المتجولين هجوما مؤقتا على راكبي السيارات لعرض بضاعتهم التي غالبا ما تتألف من المناديل الصحية وأنواع الشيكولاته والبسكويت والموز وألعاب الأطفال. نساء ورجال وصبية مع أطفال يتفرقون بين طوابير السيارات المبتلاة بالزحام صباحا ومساء وفي أيام المطر والبرد والحر اللافح لعرض بضاعتهم والتوسل في بعض الأحيان من أصحاب وراكبي السيارات لشرائها. ولا تخلو أي منطقة مزدحمة في شوارع بغداد من الباعة المتجولين وكانت مجموعاتهم قبل أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة عند كل نقطة أما الآن فان تعدادهم في المنطقة الواحدة يتجاوز ال20 بائعا مع تنوع أعمارهم. وقال ابو كرار (38 عاما) وهو يحتل مكانا مرموقا قرب نقطة التفتيش عند منطقة معسكر الرشيد جنوب بغداد، انه "قدم الى بغداد من محافظة واسط (170 كلم جنوب بغداد) بعد عام 2003 للبحث عن عمل وسكن مع اقاربه الذين استوطنوا الدوائر الحكومية ومنها معسكر الرشيد وتنقل في مهن مختلفة حتى استقر قبل ثلاث سنوات لبيع قناني المياه والمشروبات الغازية قرب نقطة التفتيش في معسكر الرشيد". ويضيف ابو كرار أن" الزحام الحاصل صباحا ومساء في هذه المنطقة جعلها سوقا رائجة لعرض بضائع مختلفة ففي الصيف نعرض المشروبات الباردة والمياه وفي الشتاء المناديل الصحية". وأوضح أن اولاده واخوانه واولادهم يشاركونه في عمليات البيع التي يبارك فيها الله، مشيرا الى انه يعمل في هذا الموقع منذ ثلاث سنوات ولن يسمح للاخرين بان يعملوا في منطقته. من جانبه، قال البائع حمزة حسن / 19 عاما/ متخصص ببيع الموز ان "ظروف المعيشة اجبرتني على العمل لاواصل دراستي الجامعية واعانة عائلتي". وأضاف انه طالب في كلية أهلية بقسط سنوي يبلغ 900 الف دينار (800 دولار) الامر الذي يثقل كاهل عائلتي لذا قررت أن أعمل مع اخي الطالب في الاعدادية لتحصيل لقمة الخبز مع الاستمرار بالدراسة. وبين انه بعد البحث والتفكير وجدت في عملية بيع المنتجات الجاهزة في السوق دون الالتزام بمواعيد العمل التي قد تتقاطع مع الدراسة، انسب طريقة، ولعل اكتظاظ السيارات في الممرات الضيقة كالتقاطعات والسيطرات ونقاط التفتيش تمثل سوقا رائجة للبيع السريع. وتابع: "نشتري الموز من العلوة (سوق الجملة) ونبيعه بالمفرد (اصبع الموز) الموزة الواحدة ب 250 دينارا (20 سنتا) والحمد لله نجني ما يسد حاجتنا". وذكر انه يتناوب مع اخيه الاصغر في العمل احدهما في الصباح واخر عند المساء، مشيرا الى ان المواقع المزدحمة اجتذبت عددا من زملائه في الكلية الامر الذي جعل الموقع قرب السيطرة اشبه بالسوق الجوال يعرض بضاعته والزبون جالس في سيارته. بدوره ، وصف الحاج ابو رافع (سائق حافلة صغيرة) عملية تزاحم البائعين قرب تقاطع مجلس محافظة بغداد بمنطقة الصالحية بانه كدية (استجداء)، مضيفا "الاطفال والنساء يتوسلون بالركاب لشراء لبان او نستلة او علبة مناديل ورقية في عملية أشبه بالكدية متسائلا "الم ير المسئولون هذه الظاهرة ولماذا لا يضعون لها حلا". جميل صاحب كان يقود سيارة من نوع مرسيدس تحدث قائلا "انه يعطف على الاطفال ويضطر غالبا الى شراء بضاعتهم رغم عدم حاجته لها، وانما بدافع المساعدة والتشجيع كي لا ينخرطوا في اعمال اخرى تؤثر على مستقبلهم وسمعة عوائلهم". وأضاف: "أغلب الأطفال يعرفوني جيدا وأنا أحبهم وأساعدهم وأتمنى أن أتمكن من ايجاد فرص عمل أفضل لهم ولاولياء أمورهم". بدوره ، قال نبيل الاعرجي عضو مجلس بلدي ان" المجالس البلدية ومجلس المحافظة شكلوا لجانا لاستقبال طلبات العمل بالنسبة للعاطلين وهذه اللجان تقوم بتبويب المعلومات الواردة في المعاملات ورفعها الى المديريات التنفيذية سواء منها الحكومية او الخاصة او الشركات الاجنبية التي تحتاج الى عمالة وانه تم منح فرص عمل لمئات من العاطلين عبر هذه اللجان". وعن انتشار الباعة قرب نقاط التفتيش والتقاطعات المزدحمة ، قال الاعرجي ان" المجالس البلدية تدرس حاليا الظاهرة من خلال فتح مجالات العمل وزيادة قاعدة المستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية" ، مطالبا بتفعيل قانون العمل الخاص بعمالة الاطفال دون الخامسة عشرة من العمر ومحاسبة أولياء أمورهم. وقال جندي يعمل في احدى نقاط التفتيش ان "نقطة التفتيش ليست لها علاقة بعمل الباعة قربها وانها تكتفي بمنعهم من الاقتراب من الموقع خوفا من تعرضهم للاذى ، موضحا ان اغلب نقاط التفتيش تتعاطف مع الباعة وقد نشتري بعض احتياجاتنا منهم. ويقول شرطي المرور محمود سعد ان" الباعة المتجولين في التقاطعات يعرضون انفسهم للخطر نتيجة تدافعهم بين السيارات ما يعرقل انسيابية السير وانه غالبا ما يطلب من الباعة الابتعاد عن بطن الشارع لكن دون جدوى.