يعيد مشهد الرئيس الأمريكي جورج بوش وهو يقف بجوار الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني في قمة على سواحل البحر الأحمر في الأسبوع الماضي للأذهان حفلا اقيم في فناء البيت الأبيض قبل عشر سنوات ثبت انه فجر كاذب في السعي من اجل السلام في الشرق الأوسط. مرة أخرى تمكنت القوة العظمى الوحيدة في العالم من عقد اجتماع بين أعداء الأرض المقدسة وان تستخرج منهما كلمات حالمة فيما يبدو عن التعايش وانتهت بمصافحة حذرة بين الزعيمين. لكن من جديد هناك شك في قدرة أي من الزعيمين واستعداده لوضع خطة سلام تدعمها الولاياتالمتحدة موضع التنفيذ. فالرافضون من النشطاء الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الأرض المحتلة الذين قوضوا الاتفاقيات المؤقتة التي تم التوصل إليها في عام 1993 اقسموا على تمزيق خارطة الطريق خطة السلام الأكثر طموحا.. كما أن انعدام الثقة المتبادل اكثر اتساعا وعمقا من أي وقت مضى. قال دانييل نيب الباحث المتخصص في الشرق الأوسط في المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية والأمنية بلندن ما تحتاجه خارطة الشرق الأوسط بشدة كي تنجح هو الابتعاد عن العقلية المسيطرة الى الآن ومضى يشرح هذه العقلية قائلا إنها أتاحت للمتشددين الاستيلاء على أدنى قدر من التقدم جرى تحقيقه وافتراض أن الجانب الآخر سيستغل أي إيماءة لإضعافك والنظر الى اي حل وسط باعتباره خيانة للقضية وللمفاوضات باعتبارها ضياعا للقيم. وبدون القفز بعيدا عن هذه الحلقة المفرغة فان خارطة الطريق ستفشل.. واقترحت عملية أوسلو إجراء مفاوضات حول دولة فلسطينية بعد فترة من الحكم الذاتي المحدود في الأرض التي احتلتها اسرائيل في حرب عام 1967. لكن عملية أوسلو استسلمت تدريجيا امام موجة من التفجيرات الانتحارية نفذها نشطاء فلسطينيون وتدفق مستمر لمستوطنين يهود في الضفة الغربية وقطاع غزة الاراضي التي خصصت لاقامة الدولة الفلسطينية المقبلة. وتسعى خارطة الطريق التي وضعت بعد مرور عامين على انتفاضة فلسطينية لتصحيح اوجه النقص في أوسلو بالربط بين الدولة الفلسطينية والاصلاح الديمقراطي ووقف العنف وبتحديد عام 2005 تاريخا لاقامة الدولة وفرض قيود على المستوطنات. لكن الخارطة لا تقدم طريقة للتعامل مع خصوم لا يتناقصون للحل القائم على أساس دولتين يتضمن اقامة دولة فلسطينية قابلة لللبقاء وكثير منهم موجودون الآن في التحالف الحاكم في اسرائيل. وهناك اغراء بالتفاؤل بعدما صدرت عن قمة العقبة بالاردن رسائل تدعو للتصالح من كلا الجانبين ودعم جديد من الرئيس الامريكي جورج بوش. وتعهد شارون وهو يميني مخضرم يوفر حماية لنحو 200 الف من المستوطنين اليهود يعيشون بين 5ر3 مليون فلسطيني بازالة مواقع استيطانية غير شرعية في الضفة الغربية وقبول دولة فلسطينية بحدود مؤقتة مع اسرائيل. ووعد محمود عباس رئيس الوزراء الفلسطيني وهو اصلاحي تضغط الولاياتالمتحدة لتصعيده لتهميش الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات باخضاع النشطاء بالقول بانه لا يوجد حل عسكري والسعي لاقامة الدولة بوسائل دبلوماسية. قال مسؤول دولي في اسرائيل مشارك في قضايا خارطة الطريق الامر الذي تغير الآن هو ان كلا الزعيمين الفلسطيني والاسرائيلي ملتزمان رسميا بالحل القائم على أساس دولتين.. لكنه اضاف والأمر غير المعروف بالمرة هو.. هل سيمضي الإسرائيليون على الطريق الى نهايته وهل سيحيد الفلسطينيون المتطرفين بينهم وهل سيبقى الأمريكيون على المسار .. ومن المتوقع ان يركز عباس على ضمان التوصل الى هدنة مع فصائل النشطاء الفلسطينيين لاغراء إسرائيل لسحب قواتها من المدن الفلسطينية ورفع الحصار الذي أصابها بشلل اقتصادي. لكن مهمته الكبيرة باتت اكثر صعوبة أمس الأول الجمعة عندما أعلنت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) إنهاء محادثات التوصل الى هدنة واتهمت عباس بتقديم تعهدات غير مقبولة في العقبة. ويقول دبلوماسيون انه بدون ان يطرأ تحسن كبير على الحياة اليومية للفلسطينيين سيصارع عباس من اجل الحصول على الشرعية التي يحتاجها لزعزعة مصداقية ادعاءات بأنه مقاول من الباطن لحماية آمن إسرائيل. وقال دبلوماسي يتعين على إسرائيل كذلك أن تفعل شيئا ملموسا بخصوص المستوطنات كي تظهر أنها جادة بخصوص الدولة الفلسطينية .. وتعهد شارون في العقبة بإزالة مواقع غير شرعية للمستوطنين يعتقد أن عددها حوالي 15 موقعا. لكن هناك اكثر من 60 موقعا آخر بالإضافة الى 145 مستوطنة قائمة تشبه الضواحي الحديثة في كاليفورنيا لم يقدم وعودا بشأنها. وأشار شارون الى إمكانية إنجاز دولة بحدود مؤقتة من خلال جسور وانفاق لا تمس المستوطنات وكذلك مناطق عازلة يديرها الجيش داخل الضفة الغربية. لكنه لم يبد علامة على تراجعه عن رؤيته لدولة فلسطينية منزوعة السلاح تمتد على مساحة اقل من نصف مساحة الضفة الغربية تسيطر إسرائيل على حدودها ومجالها الجوي. وهو مقتنع كجنرال سابق بان الاحتفاظ بالمستوطنات الأكبر القائمة على أراض مرتفعة تشرف على خاصرة إسرائيل التي يصل عرضها الى عشرة كيلومترات على وادي الأردن المواجه للأردن وسوريا يظل ضروريا لامن الدولة اليهودية. وقال الدبلوماسي الدولي ان هذه المواقع لا تفي بالمطلوب لاقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ويحد من هامش المناورة المتاح أما شارون في خارطة الطريق تهديد الأحزاب الدينية والقومية في حكومته الائتلافية بالانسحاب وإسقاط الحكومة في حالة التخلي عن أي مستوطنات.