انتظر العجوز إبراهيم احمد هذه اللحظة منذ سنوات طويلة، فاليوم بات قادرا على التجول أينما يريد في نهر دجلة، واصبح حرا طليقا يسير بمركبه الصغير أينما يريد وعادت إليه حريته المفقودة منذ عقود طويلة من الزمن. وإضافة إلى سيارات الاجرة ووسائط النقل العام يستطيع سكان العاصمة العراقيةبغداد استخدام الزوارق الصغيرة التي تصطف على ضفاف نهر دجلة في تنقلاتهم اليومية مقابل بدلات زهيدة لا تتجاوز المائة دينار نحو عشرة سنتات أميركية . إلاأ هذه المهنة بدأت تواجه مصاعب في العقود الثلاث الأخيرة بعد بناء العديد من القصور الرئاسية وفيلات المسؤولين العراقيين في النظام السابق على ضفاف نهر دجلة حيث منعت الزوارق من المرور هناك ما جعل حركتها تنحسر في مساحة ضيقة بعض الشيء. ويقول احمد 75 عاما لوكالة فرانس برس أخيرا اصبح بإمكاني التنقل بمركبي الصغير هذا أينما شئت دون أن يتعرض لي أحد . ويضيف ما إن سقط النظام حتى نزلت بزورقي هذا لأجوب هذا النهر وأتذكر الأيام الخوالي وكيف كانت هذه المهنة تدر علي مالا وفيرا يكفيني ويكفي عائلتي . ويقول قبل سقوط النظام كنا نخاف من تجاوز النقاط الحمراء التي وضعوها لنا فهنا القصر الرئاسي وهناك بيت عدي وهنا دائرة الاستخبارات العسكرية وهناك بيت فلان وهنا بيت علان لذا انحصرنا في محيط ضيق واصبح العمل مستحيلا . ويتابع وقد انحنى بجسده على مركبه الخشبي الصغير لإجراء بعض الإصلاحات عليه متوقعا الكثير من العمل خلال الأيام المقبلة آمل أن يكون مستقبل العراق افضل ليس من اجلي بل من اجل بناتي الستة وابني المعوق ومن اجل بقية أطفال هذا البلد بعد كل ما عانوه . ويتذكر هذا العجوز كيف كان أصحاب المراكب النهرية الصغيرة التي تشتهر بها العاصمة بغداد يتألمون وهم يرون يوما بعد يوم انحسار الاماكن التي يسمح لهم بالتحرك فيها حتى وصل الامر في الاونة الاخيرة الى حصر الرقعة التي يتنقلون فيها بكيلومتر واحد في المنطقة المحصورة ما بين جسري الجمهورية والرصافي. ويقول في السابق لم يكن هناك شيء ممنوع وكنا نجوب نهر دجلة طولا وعرضا دون أن يتعرض لنا أحد، وكانت لمراكبنا العديد من المحطات كمحطات القطار على جانبي نهر دجلة في المجيدية والميدان والقمرية وبيت طوبان لكن لم يتبق منها الآن سوى محطتي الكسرة التي اقف عليها والكريمات . ويقسم نهر دجلة بغداد إلى قسمين الكرخ في الجانب الغربي والرصافة في الجانب الشرقي. ويقول احمد كان الناس بسطاء في السابق حتى أنني أتذكر أن رئيس الوزراء نوري السعيد (قتل عام 1958) والوصي على العرش عبد الاله كانا يأتيان الى هنا في مطلع الخمسينات ليستقلا مركب دعبول في جولة نهرية قبل غروب الشمس . أما الصياد احمد علي 25 عاما فيقول من جانبه أن الكثير من الصيادين باتوا يذهبون إلى تلك الاماكن التي كانت حتى وقت قريب ممنوعة بالقرب من القصر الجمهوري الذي يقع على نهر دجلة لصيد السمك أو للسباحة . أما التاجر هيثم خالد 44 عاما الذي يملك محلا لبيع القماش في سوق الشورجة الشهير وسط العاصمة بغداد فيقول أن كل ما في الامر أنني احب الذهاب من بيتي الذي يقع في منطقة الكسرة في جانب الكرخ إلى محلي في الجانب الآخر في الرصافة بالنهر مستفيدا من هذه القوارب الصغيرة . ويتابع أمل أن يكون بإستطاعتي في يوم من الايام أن أقوم بجولة نهرية لأرى القصور التي بناها صدام واعتقد أن الامر يستحق المحاولة كما أمل أن تهتم الحكومة المقبلة للعراق بموضوع النقل النهري وتعطيه الاهتمام اللازم فالموضوع يستحق بعد أن ولت أيام الممنوع دون رجعة .