يجلس الرجل العجوز في وضع غير مريح في مؤخرة قاربه الصغير مع خمسة من الركاب يعبر بهم نهر دجلة ويهز رأسه عندما يتطرق الحديث الى إمكانية قيام الطائرات الأميركية مجددا بتدمير الجسور التي تعبر فوق النهر. ويقول ابو مهدي، وهو يعدل الغترة التي تغطي رأسه ويمسك باليد الأخرى ذراع المحرك: اذا ضرب الأميركيون، لا قدر الله، فسيضربون الجسور، كما فعلوا في 1991.. حيث لا تزال ذكرى حرب الخليج حاضرة بقوة في ذاكرته، عندما قام تحالف دولي بقيادة الولاياتالمتحدة بإخراج القوات العراقية من الكويت. ودمرت طائرات التحالف حينها 134 جسرا في العراق، بينها ثلاثة في بغداد. كما ضربت منشآت عسكرية وقطعت طرق توزيع المحروقات. واضطر العراقيون الى التخلي عن استخدام سياراتهم الا للضرورة القصوى. وعادوا للاعتماد على القوارب وعلى عضلات الصيادين. والآن، يخشى العراقيون ضربة أميركية جديدة تهدف الى قلب نظام الرئيس صدام حسين المتهم بحيازة أسلحة دمار شامل. ويقول ابو مهدي: ان ضربوا الجسور وعطلوا توزيع النفط، فسنضطر الى التخلي عن القوارب التي تعمل بالمحركات، ونعود الى القوارب الصغيرة والى الاعتماد على المجاديف. ويتابع غير اني لا اعرف ان كانت لا تزال لدي القوة للتجديف، لقد كبرنا. والمشكلة جدية بالنسبة لسكان بغداد لا سيما ان نهر دجلة يقسم المدينة التي تتآلف من حي الرصافة في الشمال الشرقي وحي الكرخ في الجنوب الشرقي. وتتمحور حياة سكان العاصمة وعددهم خمسة ملايين حول 12 جسرا فوق النهر للانتقال بين منطقة واخرى. ويقول صادق جعفر: بالطبع نجتاز النهر يوميا، وهو يصعد الى قارب صغير خشبي بالقرب من جسر الشهداء الذي اصيب باضرار جزئية في 1991. ويضيف جعفر (55 عاما) وهو يدفع 50 دينارا (قرابة سنتين اميركيين) لرحلة تستغرق دقيقتين علي ان اعبر الى الرصافة لشراء ابر وخيطان لمتجري في الكرخ وافضل الذهاب في القارب لانه اسرع واقل كلفة من السيارة او الباص. وتبلغ كلفة مثل هذا الانتقال بالسيارة او الباص حوالي 400 دينار ( اقل من 20 سنتا امريكيا) وتستغرق عشرين دقيقة. وتفضل العائلات والسياح استخدام القوارب للتنزه عند مغيب الشمس لتامل المآذن المغطاة بالخزف الاخضر والازرق، ولا سيما المدرسة المستنصرية، التي تشكل احد معالم الهندسة الاسلامية والعائدة الى القرن الثالث عشر. وخلال الرحلة يمكن ايضا مشاهدة السجاجيد الشرقية اليدوية الصنع وهي تنشر الوانها على ضفة النهر حيث يتم نشرها لتجف. ويقول الطالب حمزة: استطيع احتمال كل شىء لكني سأكون امام مشكلة في حال اندلعت الحرب لاجتياز النهر بالقارب لانني اعاني من الدوار.