سأحدثكم عن الغيرة اليوم..بعد أن أخبرتني أحدى الأمهات أن أبنتها المراهقة سقطت مغشيا عليها لما كانت تسمع إطراء لإحدى الفتيات أمامها .. وتقول لي الأم أن الغيرة طالما حطمت قلب ابنتي وأنهكت صحتها .. فهي كثيرة الغيرة وتتطلع دائما للأخريات في كل شيء .. قد تبدو هذه حالة مرضية شاذة أو غير طبيعية ولكني أعرف أنها تنسحب على كثير من الناس ذكورا وإناثا، وهي مشاعر تختلط بين الحسد وبين الاقتناع أنهم أحق من الآخرين في كل نجاح ولكن الحظ لا ينصفهم.. وإني لا أصنفه مرضا على الإطلاق بل هو نوع من الإحساس الذي قد تلعب به الطبيعة الشخصية دورا كبيرا ، ولكن هذا لا يعني أن من المستحيل تجاوزه، بل حتى استثماره .. الوصفة السحرية، هي دائما تحويل الشعور السلبي الهادم إلى شعور إيجابي بناء .. علينا أن نوجه أبناءنا من البداية لنفهمهم بالتصارح مع أنفسهم وبث أفكارهم علانية ليتخلصوا أولا من العبء الباطني الذي يفتك بالتركيز العقلي والبدني والنفسي .. نعم نقول لأبنائنا أنه لا عيب في الغيرة مطلقا ؟ وأن نشرح لهم بأن الغيرة منشأ غريزي طبيعي لحثنا على منافسة بعضنا بعضا، أي أنت تكون المحفز لهمم التفكير والعمل المثابر والمصابرة الجادة لتحقيق ما نصبو إليه .. وأن نصدق تماما أن الناس قد يولدون بمقادير مختلفة من الذكاء ولكن السر كل السر هو في العمل أي الجدية المثابرة .. أينشتاين الذين يقولون أنه أعظم عقل إنساني عاش في القرن الماضي، قال يوما لما سئل عن تفسير للعبقرية : " هي 1% من الذكاء و 99% من العمل الجاد المجتهد " وهذا هو كل السر .. أما عن الحظ فلا يولد أحد وله قسم من الحظ أكثر من الآخر ، وهو شماعة واهية نحرم الآخرين الناجحين من فضيلة صبرهم وجدهم واجتهادهم.. إذن لا بأس في الغيرة على ألا تكون سلبية في إحراق الوقت والأعصاب في مراقبة الآخرين يركبون سلم النجاح والتفوق، بل هو الإصرار على أن نكون معهم نرتقي ذات السلم ونزاحمهم على الوصول إلى قمته معهم أو قبلهم ..الغيرة الحافزة التي لا ترضى لنا أن نعيش بين الحفر بينما الآخرون يترقون يوما بعد يوم .. بل على النقيض تماما فإن النفس التي لا تتغير هي نفس خاملة بطيئة بليدة لأنها بلا وقود وبلا محفز ولا يهمها أن تفعل أي شيء لكي ترتقي، بل تدور مع الدنيا كلما جذبها التيار .. ومن لا يسبح في التيار يترسب في الأعماق.. المهم أن نتعلم أن نحول الغيرة الهادرة داخل نفوسنا إلى مولد للنجاح ..فالمنافسة التي هي الغيرة الإيجابية هي البطل الخفي وراء تقدم كل الإنسانية !