أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون أمام نواب حزبه الليكود ان اسرائيل لا يمكنها ابقاء 3.5 ملايين فلسطيني تحت الاحتلال الى الابد وعليها بذل كل الجهود للتوصل الى تسوية سياسية.وقال رئيس الوزراء الذي نقلت تصريحاته الاذاعة العامة اعتقد ان فكرة ابقاء 3.5 مليون فلسطيني تحت الاحتلال تشكل الاسوأ بالنسبة لاسرائيل وللفلسطينيين وللاقتصاد الاسرائيلي.وحاول شارون من خلال هذه التصريحات الرد على سيل من الانتقادات التي وجهها اليه نواب ووزراء الليكود المجتمعون في الكنيست غداة اعتماد الحكومة خريطة الطريق التي تنص على اقامة دولة فلسطينية بحلول العام 2005.وقال شارون ردا على اولئك الذين انتقدوا موافقته على اقامة دولة فلسطينية: حاليا هناك 1.8 مليون فلسطيني يتلقون مساعدات من منظمات اقتصادية دولية، هل تريدون اخذهم على عاتقكم من وجهة النظر الطبية والتعليمية؟ السيطرة على الفلسطينيين لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية، هل تريدون البقاء الى الابد في جنين ونابلس ورام الله وبيت لحم؟ لا اعتقد ان ذلك ما يتعين القيام به. لكن شارون نعت المقاومة الفلسطينية بالارهاب وقال: لن نرضخ للارهاب ولن ندفع الثمن من امننا .. لقد قلت منذ فترة طويلة انه سيكون على اسرائيل دفع ثمن باهظ مقابل عملية سياسية وسلام دائم. وتابع رئيس الوزراء الاسرائيلي قائلا: لا اعلم اذا كنا سننجح، سأبذل كل الجهود للتوصل الى اتفاق سياسي لانني اعتقد ان ذلك مهم لاسرائيل. وخلال الاجتماع شن 11 وزيرا ونائبا هجوما ضد شارون واعتبروا خريطة الطريق خطرة جدا على امن اسرائيل. وقال وزير الامن الداخلي تساهي هانيغبي خصوصا ان اعتماد خريطة الطريق سيدفع الفلسطينيين الى تنفيذ المزيد من العمليات المناهضة لاسرائيل كما نقلت عنه الاذاعة الاسرائيلية. ورغم قرار اسرائيل التاريخي الموافقة المشروطة على خطة سلام تنص على اقامة دولة فلسطينية (خريطة الطريق)، الا ان النوايا الفعلية لشارون الذي ينعته الفلسطينيون بالجزار ويصفه الاسرائيليون بالبلدوزر تبقى موضع شك كبير. واللافت للمراقبين أن هذا القرار اتخذته الحكومة الاكثر تطرفا في تاريخ الاحتلال الاسرائيلي والتي يقودها رئيس وزراء معروف في الخارج بتطرفه وتشدده ويحاول في نفس الوقت أن يبدو بصورة رجل الدولة المعتدل. وكتب سيما كادمون في صحيفة يديعوت احرونوت أن اليمين (الليكود وحلفاءه) اعتمد في الحقيقة موقف اليسار (حزب العمل) الأساسي منذ عقود، مضيفا انها خطوة صغيرة بالنسبة لاسرائيل لكنها خطوة عملاقة لشارون. وهذه المفارقة تثير مجددا سؤالا يحير الخبراء السياسيين منذ وصول شارون الى السلطة في مارس 2001: هل ان حامل لواء اليمين المتطرف ومؤيد الاستيطان والمسؤول عن اجتياح لبنان ومذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا (1982)، يمكن ان يكون الرجل الذي يتوصل الى تسوية تاريخية ويحل السلام مع الفلسطينيين؟. وقال كادمون كاتب الافتتاحية في يديعوت احرونوت ان السؤال المطروح منذ اشهر ليس معرفة ما اذا يمكن لشارون ان يقوم بذلك، وانما معرفة ما اذا كان يريد القيام به. وقال يوري افنيري مؤسس حركة غوش شالوم (كتلة السلام) اليسارية المتطرفة والمعارض لشارون منذ فترة طويلة ان مثل هذه الفرضية مستبعدة تماما رغم القرار التاريخي الذي اتخذ يوم الاحد. وأضاف إن شارون غير مستعد اطلاقا لذلك، بل ليس مستعدا لاخلاء المستوطنات. وفسر افنيري ذلك بأن شارون دفع حكومته الى اعتماد خريطة الطريق لاسباب محض تكتيكية لأنه لا يمكنه ان يقول لا للرئيس الأمريكي جورج بوش لكنه سيعمل الان على نسف الخريطة. وقد أقر شارون شخصيا بانه وافق على خريطة الطريق رغما عنه، حيث صرح خلال اجتماع حكومته الأحد: أنا ايضا لا تعجبني لكنها أهون الشرين. وفي الواقع درج شارون على عادة اصدار مواقف متناقضة حيث يدلي يوما ما بتصريحات تدفع على الاعتقاد بانه مستعد لتنازلات مؤلمة للتوصل الى السلام قبل ان يصرح بالعكس في يوم آخر. وفي ابريل، اعلن ايضا للمرة الاولى وبدون لبس ان المستوطنات يجب ان تفكك في اطار اتفاق سلام، حتى انه عدد بعضها بالاسماء. لكن بعد شهر، اعلن ان ذلك أمر غير وارد وانه أسيء فهمه. ويؤكد معارضو شارون ان هذه اللغة المزدوجة تحول دون تصديقه. وشجب ايتان بنتسور الذي كان يشغل منصب مدير عام وزارة الخارجية (1996 2000) هذه التصريحات التي تنطوي على ازدواجية، لكنه قال أن اعتماد خريطة الطريق يستجيب لقرار استراتيجي من قبل شارون الذي ادرك انه يجب ادخال تغييرات تحسبا لتغير الظروف. ورأى أن شارون يقر تماما ويدرك انه علينا التكيف مع الوضع الجديد قائلا ان ليس لديه اي شك بان شارون لن يتردد في تفكيك مستوطنات عندما يحين الوقت. لكن على افتراض ان شارون مصمم فعلا على قبول اقامة دولة فلسطينية، فانه لا يزال ينبغي معرفة اي دولة يتحدث عنها. وتنص خريطة الطريق على دولة قابلة للاستمرار لكن شارون لم يفكر ابدا في امكان امتداد هذه الدولة على اكثر من 42% من الضفة الغربية التي تنص عليها اتفاقات الحكم الذاتي بموجب اتفاقات اوسلو والتي اعاد الجيش الاسرائيلي احتلالها. ويرى الكثيرون ان الامر لا يتعلق بالتالي سوى بدويلة هزيلة. وتبقى هناك نظرية اخرى تتحدث عنها بعض الصحف الاسرائيلية وتقول بان شارون اعتمد خريطة الطريق لانه اكيد بانها ستفشل وان ذلك لن يكلفه شيئا.