ندوة شارك فيها: قيس العزاوي ورائد فهمي وجبار ياسين وجواد بشارة ونصيف الجبوري واحمد بامرني وهشام داوود في ندوة في باريس عقدت في باريس ندوة جمعت مثقفين عراقيين بارزين من تيارات سياسية وثقافية متعددة للبحث في ملامح جديدة لثقافة عراقية اصيلة بعد ان شوهت ملامحها من قبل نظام الرئيس العراقي صدام حسين، وهي ندوة من مسلسل (ندوات دورية ترعاها وكالة الانباء المستقلة) عراق برس. واكدت مداخلات المشاركين الرغبة في انضاج ملامح ثقافة وطنية جديدة يمكنها صياغة الوجه الجديد لعراق ما بعد صدام، حسبما عنون المشاركون هذا اللقاء الاول من نوعه، وفي ذلك يقول الدكتور قيس العزاوي: الموضوع الذي سنتناوله في هذه الجلسة يتعلق بالثقافة العراقية بعد صدام حسين وسيطرح كل واحد منا موضوعه للمناقشة، على ان يقدم واحد من الحاضرين او اثنان ورقة الجلسات السابقة لمناقشتها بشكل مستفيض، فمبادرة عقد هذا اللقاء، تعبر عن الرغبة الكبيرة لبحث هذه القضية بشكل مستفيض، بحكم تعلقها بمستقبلنا جميعا. واردف العزاوي قائلا: تعلمون جيدا وجود فرق بين الثقافة والحضارة وتعلمون ايضا متى استحدثت كلمة ثقافة في اللغة لتخرج من اطارها الزراعي، حيث يقال (ثقف الزرع ان شذبه او طوره)، لكن المفهوم قد تطور في الوقت الحاضر، ليصبح من المعاني الفكرية في التراث العربي الاسلامي، غير الموجود قبل ذلك، وفي اوروبا يعود اصل الثقافة الى عام 1889م عندما حدثت ازمة وقع خلالها مجموعة من المثقفين منهم اميل زولا وغيره يطالبون من خلاله بوضع جديد خال من التسلط السياسي، حيث بدأ المثقف يلعب دوره السياسي بعد لأن ظل ذلك عيبا، حيث لم يتعارف قيام المثقف او الادريب بمثل هذا العمل. وقد حصل فيما بعد نوع من الترابط بين الثقافة والسياسة داخل الحياة الفرنسية، حيث نعلم بأن المثقفين الفرنسيين وعلى 200 سنة اتخذوا مواقف جريئة، حيث نستذكر هنا سارتى وسيمون بوفوار عن قضية فيتنام والمواقف الاخرى التي تبعتها، رغم اننا نعرف اليوم بأن المثقف الفرنسي اقل اهتماما بالسياسة وعليه نذهب لموضوعنا، وهو الثقافة العراقية وهموم المعنيين بها عن قرب. ثقافة ما بعد صدام الموضوع المطروح للنقاش هي الثقافة والسلطة، ثقافة الجماهير وثقافة السلطة، والمجتمع والسياسة والمجتمع المدني، والسؤال المحوري هو ما صورة الثقافة؟ وما الذي نتصوره لثقافة ما بعد صدام، وهي نقاط اساسية. وثاب السعدي: كنت مدعوا في هولندا لحضور ندوة ثقافية للمنتدى العراقي هناك، وكان لي بحث عن اشخاص في العراق واصدقاء من المثقفين والادباء تحدثت عنهم آنذاك، ومع الاسف لم يكن لي متسع من الوقت لإعادة صياغة ذلك البحث ليتناسب ومقامنا هذا، ومع ذلك اعتقد أن الثقافة العراقية تمر بأزمة خانقة تخص المبدعين والمثقفين والمفكرين الموجودين خارج العراق، فبالاضافة الى كون هؤلاء بعيدين عن الوطن لأسباب سياسية وغيرها فهم يعيشون انقطاعا عن بيئتهم ووسطهم الاجتماعي والثقافي العراقي، كما ان الساحة الفكرية والادبية العراقية تعيش حالة من الفقر بسبب هجرة المثقفين ومحدودية حرية التفكير في الداخل. وانطلاقا من هذه الملاحظات المحتاجة الى المزيد من التعمق لا نجد بدا من طرح السؤال التالي: ما مستقبل الثقافة العراقية بعد صدام؟ لعل اهم شيء يجب التفكير به لجواب لهذا السؤال هو الحريات والديمقراطيات وكيفية وهو ما حدود التعبير الفكري في مجالات عديدة وضع اسس عملية لها، لكن هناك سؤال آخر يتبادر للذهن كالمسرح والسينما، اذا ما علمنا ان اغلب المثقفين والمبدعين في الخارج يعيشون تجارب بيئتهم ونضجوا بعيدا عن الوطن ولهم تعابير وكلمات وردود افعال تشكل شبه قطيعة من المجتمع العراقي. ومن هنا فانه وفي حال سقوط صدام حسين وتمكن المثقفون والمبدعون والصحفيون والكتاب والادباء، فأنهم سيواجهون اشكالية في التعامل مع مؤسسات الاذاعة والتلفزيون والصحافة بشكل عام، فالتعامل مع نصوص عامة لايمكن توظيف المفردات الغريبة عن التراكم المعروف سيمثل مشكلة بكل معنى الكلمة. هناك الكثير من الادباء والروائيين والشعراء والسياسيين والصحفيين في الداخل اجبروا على المشاركة مع النظام او سكتوا خوفا منها او ترفعا عن المشاركة معه، مما يجعل لكل فصيل ردة فعل مختلفة ازاء النظام ولكل فصيل ايضا دور مستقبلي فاذا اقترضنا من خلال حرية الفكر ان هؤلاء الكتاب والادباء والشعراء الذين كانوا مع النظام لايتم اضطهادهم او منعهم من الكتابة مثلما يحصل معنا من قبل النظام في الوقت الحاضر، اجد من الضروري حل هذه الاشكالية بذهن ثاقب ونظرة موضوعية، تبدأ من هنا اي من قبلنا نحن في الخارج وذلك عن طريق تكاتفنا في المجال الفكري والادبي وبما يوجد تراكمي مدعوما داخليا, وهناك عدة مقترحات في هذا السياق سنتداول بشانها في الجلسات السابقة, التي اعتبرها ضرورية للغاية لتعميق فهم البدائل المستقبلية ذات الصلة بما نطمح لتحقيقه وهو بناء اطر ثقافة عراقية جديدة خالية من كل مفردات التطرف والعنصرية وفردية الرمز, وهي مهمة ليست يسيرة لكنها غير مستحيلة اذا توفرت رغبة المصالحة فيما بيننا. المثقف الضحية القاص والكاتب جبار ياسين: اود التعمق في العموميات للوصول الى الحالة العراقية الخاصة متسائلا, في هذا المقام, عن معنى الثقافة وتحديد مسارها او بالاحرى العملية الاجتماعية والتاريخية للنشاط الثقافي الذي يتفق وما دمنا بصدد الحديث عن الثقافة العراقية ينبغي ان الحديث عليها معظم السيولوجين المهتمين بتاريخ الثقافة. عن ثقافة العراق التي عرفناها اي ثقافة القرن العشرين, التي تشكلت منذ القرن العشرين اي تأسيس الدولة العراقية حتى وقتنا الحاضر. وفي هذا السياق نعرف جميعا استحالة تشكيل اية ثقافة في العالم من الخارج وهناك عناصر محددة في التراث التاريخي منها السياق الاجتماعي والحالة الراهنة في المجتمع, فهي من بين العوامل التي تحدد ثقافة اي بلد عندما يتناول طه حسين في كتاب مستقبل الثقافة في مصر, وهو كتاب جوهري في القرن العشرين, يتحدث عن التاريخ الثقافي في مصر, فانه ينطلق من فرضية تؤكد بان مصر بلد متوسطي له ثقافة فرعونية, وان تاثيرات هذا الكتاب في مصر نراه في الاعمال الروائية والبحوث النقدية التي تتناول تطور المجتمع المصري, اما ما يخص العراق فان تشكيل الدولة العراقية, حسب ادبيات احمد السيد اوفيضي او جيل الدوري, بدأت انطلاقا من ثقافة اسلامية عربية منفتحة على حداثة اوروبية لكن بحدود قررتها تلك الحقبة. بعد تشكل الدولة العراقية حدث امر مهم وجوهري وهو الشروع بتأسيس المعاهد والجامعات كانطلاقة لتكوين ثقافة قومية عراقية, وهذا الفعل استمر حتى تسلق حزب البعث السلطة في العراق, حيث لاينسى كل منا جيل وطاهر وغيرهم, وكل هؤلاء كانوا اساتذة ساهم في تكويننا, انه جيل الدوري على صعيد التاريخ وجيل السامر جامعات ومؤرخين ونقاد ادب.ان اول ضحية لحزب البعث بعد استلامه السلطة هو ناصر الحاني, وهو مثقف بالمعنى العلمي للكلمة, فهو استاذ جامعي ومؤلف كتب, بغض النظر عن ظروف اغتياله واشاعة انه عميل امريكي, مما يؤكد من وجهة نظري ان المثقف هو اول ضحايا حزب البعث وبداية لتصفية جميع المثقفين داخل العراق, فقد دخل الكثير من اساتذة الجامعات السجون والمعتقلان بعد اغتيال ناصر الحاني لتبدأ بعد ذلك سياسة التبعيث في الجامعات وسياسة تغيير النظام التعليمي وصولا الى الحرب العراقية الايرانية وما تبعها من انقطاع كامل في سلسلة الاجيال ثم وما رافقها من هجرة عراقية الى الخارج والانقطاع عن العالم حرب الخليج عام 1991. الثقافة الاجتماعية لاتتم في جيل واحد وبناؤها يعتمد على تلاحق اجيال متعددة لايجاد ثقافة حقيقية, ولهذا السبب لاتوجد ثقافة في الاردن مثلا, وليس معنى ذلك نقدا للاخوة الاردنيين, لكن الاردن بلد حديث التكوين لم يشهد مثقفين من الطراز الاول كالعراقيين والمصريين بعد قرن من الان, وهي مسألة جوهرية في تقديري عند تناول مستقبل الثقافة في العراق, فعملية التزوير الثقافي التي تمت منذ عام 1968 ولاتزال حتى وقتنا الحاضر, ستضطرنا لمواجهة نتائج حقيقية عندما نبدأ التداول في مستقبل جديد للثقافة العراقية, هناك قطع تاريخي ثقافي واجتماعي بين الموصل والموصل اليه وبين الكاتب والقارئ, ولناخذ مثلا على ذلك, هناك 4 ملايين عراقي يعيشون في الخارج, وربما اكثر بينهم نسبة كبيرة من المثقفين غير القادرين على ايصال اي شيء على الداخل اي تغيير النظام في العراق وهي مشكلة حقيقية سنواجه نتائجها المعقدة في المستقبل سنواجه مشاكل جدية كعلاقتنا مع الواقع فنحن عشنا لعدة اجيال بعيدين عنه, مما افقدنا كيفية التعامل معه ومع جيل جديد يبدو كأنه متنافر معنا ثقافيا, لذا اعتقد بان هذه مشكلة سنواجهها كمثقفين عراقيين في المستقبل. اما الاشكال الثاني فهو يتمثل في اعادة البناء, فنحن سنبدأ من الصفر تقريبا على صعيد النظام الابتدائي والثانوي والجامعي, ولناخذ هنا مثلا بسيطا كان الاطفال يغنون لملك غازي او فيصل مرة واحدة في السنة يقولون فيها فيصل مليكي افديه روحي, فيما اليوم نرى المناهج التعليمية العراقية تتغنى بصدام والثقافة العراقية تتغنى بصدام فنحن سنواجه هذه المشاكل كونها من بين الامور المترسخة في الاذهان عبر الاجيال, وهو ما يدفعنا الى التساؤل عن دور هذه الاجيال في تغيير الواقع وهي نقطة جوهرية من وجهة نظري ينبغي التركيز عليها من الان فصاعدا. نظام قمعي الدكتور قيس العزاوي: اضافة لما تحدث به السيد جابر, هناك نقطة رئيسية وهي ان النظام القائم هو نظام قمعي بمجرد التخلص منه ستنتهي معالم القمع وتتبدل صورة الثقافة, لكن هناك نقطة اخرى انواع جديدة من المكونات الاجتماعية من النواحي جوهرية وهي انالمجتمع العراقي عاش للالاف السنين يقبل القومية والطائفية والدينية المتعددة بانسجام تام عبر التاريخ, مما يجعل من ثقافة النظام القائم خرقا لهذا التماسك الاجتماعي والدينية المتعددة بانسجام تام عبر التاريخ, مما يجعل من ثقافة النظام القائم خرق الهذا التماسك الاجتماعي والديني والتاريخي للمثقف العراقي, وهو ما تحدث عنه علي الوردي في لمحات اجتماعية من تاريخ العراق او ما تحدث عنه مصطفى جواد او عباس العزاوي وغيرهم من المثقفين العراقيين الكبار. المثقف العراقي اليوم اما مرتبط بالدولة او مهجر الى الخارج او ساكت على ما يجري, اذا كيف نجد وسيلة جديدة للتعايش الاجتماعي, كما يتساءل الباحث الفرنسي بيير جان لويزار؟ وعلاقة ذلك بعقد اجتماعي بين الثقافات المتعددة, مابين الطائفين والقومية والعراقية والقبلية, اي بين هذا التقسيم الواقعي النشاز الذي عمقه النظام الحاكم, وهي نقطة جوهرية تستدعي الكثير من النقاش المعمق. ملأ الفراغات شاكر عبدالحميد: عندما نتحدث عن ثقافة عراقية لما بعد صدام, فاننا نتحدث عن فصل تاريخي مابين مرحلتين في غاية التداخل والاهمية, مرحلة العراق الموحد بثقافة مزدهرة غير منغلقة على التفاؤل الخارجي ولا هي منكفئة على ذاتها لظروف خارجة عن العناصر المؤثرة فيها, ومرحلة العراق المتخلف, عراق الرمز الاوحد والحزب الواحد, بمعنى اخر الانغلاق التام عن المحيط الخارجي, وبشكل يحول دون حدوث اي تطور منهجي او علمي لتفاعل الثقافات, وهي قضية مهمة اذا ما عرفنا ان ثقافة العراق اليوم ملغومة بافكار غربية فيها من تقديس الشخص ما يدعو الى الحيرة والاستغراب من تعمد التقليل بقيم الثقافة العراقية خدمة لمصالح سياسية كانت عبر التاريخ مؤقتة وزائلة فيما تراكم الخبرة والثقافات هو المتجذر في تاريخ الشعوب بغض النظر عن سلم تطورها العام, مما يجعل من نزعة العنصرية والتعصب القومي المنظم والزيف الاعلامي, مفردات غريبة عن الثقافة العراقية, وهو ما يدفعني الى طرح التساؤل التالي: اذا ما غاب صدام غدا عن المسرح العراقي بكافة اشكاله, كيف سيكون بمقدورنا ملء الفراغات التي عبئها اسمه في كل المحافل الثقافية والسياسية العراقية سيما وان الاطفال يبداون منهجهم التعليمي كل صباح التي بالغناء له والتمجد بانجازاته؟ اعتقد ان الجواب يبدأ من حيث التفكير العملي بخطة لملء الفراغات وبما يحول دون الوقوع في فخ المفاجآت وما يرافق ذلك من تصفية للحسابات يكره العراقيون مجرد التفكير بها, بعد ان دفعوا ثمنها باهظا من استقرارهم وكرامتهم الاجتماعية والنفسية. لقد اوجد صدام ثقافة خاصة به ولا علاقة لها بالعراق, فهي بدات معه وستزول بزوالة, مما يفرض علينا واجب التفكير بالغاء بند تصفية الحسابات, كون مثقفي الداخل والخارج ومعهم الوطنيين السياسيين, كل هؤلاء بشتركون بقضية واحدة هي انهم جميعامن ضحايا تسلط صدام وجنوده. لو نأخذ مناهج التعليم في الدراسة الابتدائية فالقراءة الخلدونية انتابها الكثير من التشويه لتعد منسجمة مع واقع ما بعد عام 1997,اي مرافقة عهد صدام الرئيس بكل مرتكزاته الغريبة عن عراق ما قبل هذا التاريخ, فتعليم ثقافة لغد, وهي قضية فيها من الاهمية ما يفرض علينا اللغة العربية بطلاسم ثورية يفوق في اهميته تبصر بجميع مسؤولية الترفع عن الخطاء من خلال التفكير بمستقبل ثقافة عراقية لاتفضل فريق على اخر على اساس الهوية والمعتقد الديني والقومي بل على اساس الايمان بمستقبل العراق الموحد والمتآخي, الذي يوفر لجميع حلقات فسيفساته الجميل, الحق بالابداع والعطاء الوطني المثمر بعيدا عن عبادة الاشخاص, ومن هنا تبدأ رحلة التفكير بكيفية التعامل مع مثقفي الداخل, بكل مفاهيمهم, التي ليست بالضرورة من نتاج افكارهم, وانهي بجريرة غيرهم, لاننا في ذلك سنقع فرضت عليهم في ظروف خارجة عن قدراتهم الشخصية فلايجوز اخذهم في خطا سوء تقدير الدكتاتورية, التي نجتهد في تخليص اهلنا من تبعاتها, التي تحملنا نحن في الغربة الكثير من نتائجها النفسية المؤذية في جميع الاحوال. تعايش الثقافات نصيف الجبوري: من المفيد ان نتحدث عن ثقافة ما بعد صدام, لكن من الضروري ايضا تعيين معرفة الداء لنهتدي لايجاد الدواء, فالعراق يمر بفترة عصيبة كما تحدث في ذلك الاخوان الذين سبقوني في الحديث عن التهديم الثقافي في عراق صدام وعلى مختلف الاصعدة, لكن ذلك لايجب ان يدفعنا للمرور بجانب الابتذال الثقافي خصوصا بعد اكثر من 10 سنوات من الحصار, فالمثقف العراقي وباقي شرائح المجتمع يعيشون تغيرات عميقة ساهمت وبشكل خطير, في تغيير خارطة اولوياتهم جميعا فالعراق الذي كان يعتبر نموذجا فريدا في القراءة والثقافة العامة والخاصة الى حد القول: ان لبنان يطبع والعراقيون يقرأون, اضحى المثقف العراقي في الداخل غير قادر على قراءة كتاب او مجلة او غير ذلك لسبب بسيط هو ان اولوياته اتجهت للتفكير في كسب لقمة العيش, ليصبح, ومع بالغ الاسف, مألوفا قيام المثقف العراقي ببيع كتبه ومؤلفاته على قارعة الطريق كي يعيش او ينقذ المتبقي من حياته بحدود مقبولة من الكرامة, لتبدأ معها مرحلة التراجع المأساوي في رحلة التأليف والترجمة باستثناء المتعلق منها بتمجيد شخص صدام ويخرق حركة التاريخ الطبيعية فحسب وبما يحرف لو تحدثنا عن الثقافة الاسلامية في العراق, التي تعتبر الركيزة الاساسية في حضارة وادي الرافدين, نراها هي الاخرى في تراجع شديد رغم التطبيل والتزمير لما يسمى بالحملة الايمانية. وطبيعة الحال لايكفي وجود القرآن الكريم لايجاد ثقافة اسلامية متوازنة دون توفير كتب التاريخ الاسلامي المتوازن وغير المحرف ودون وجود التفاسير المختلفة, لان تفسير اية سورة في القرآن الكريم قد يكون غير صحيح دون معرفة اسباب نزولها وسياقها التاريخي. في العراق اليوم يحاول النظام اقتطاع ما يتناسب مع توجهاته دينيا فيما يترك غيرها, فيما المعروف ان القرآن ينطوي على حالة دقيقة من التوازن, فعلى سبيل المثال ان سورة التوبة التي لم تبدأ ب(بسم الله الرحمن الرحيم), وتسمى ايضا سورة القتال, في نفس هذه السورة امر الله تعالى رسوله الرحمة بالناس اجمعين, وهو ما يوضح حالة التوازن التي لانجدها في عراق اليوم بعد ان تحول الاصيل الى طارئ وعكسه صحيح, لكنه زائل في جميع الاحوال, كون الوسطية فيه معدومة بالكامل رغم انها ضرورية لمعالجة مشاكل المجتمعات بعقلانية وعلى اساس هذا الخلط المتعمد اضحت الثقافة الاسلامية في العراق تقليدا اعمى, فيه الكثير من الكلمات المتعصبة الطارئة على المجتمع العراقي المعروف بانفتاحه بعدم طائفيته وانفتاحه على الاخرين عكس تماما من منهج النظام الحالي الذي عمق التعصب والطائفية والتفرقة ضمن اساسيات مشروعه السياسي وبما يخدم فقط اغراضه, التي هي في جميع الاحوال قصيرة النظر, والتي يجب ان يكون التغلب عليها من بين جديده في عراق ما بعد صدام اولويات العمل على بناء ثقافة. في النهاية اود الاستشهاد بكتاب راجعته قبل فترة هو كتاب القوميين العرب لهاني الهندي وعبدالاله النصراوي اللذين خلصا الى عبارة مهمة مفادها: ان الصراع ما بين القوميين والشيوعيين والاسلاميين كان نتيجة الخسارة الكبرى لنا جميعا وكان المنتصر الوحيد عدونا. هذه العبارات تقودنا الى نقطة اساسية تتمثل في اهمية تعايش ثقافاتنا على اختلاف بعضها عن البعض الاخر, مع اختلاف اجتهاداتها بعيدا عن التأثيرات الخارجية مع العمل على ايجاد ثقافة وطنية, فصراعاتنا, وبغض النظر عن تسمياتها, هي التي سهلت صعود صدام الى السلطة وما ترتب عن ذلك من نتائج ثمنها الباهظ اليوم, وبما يستحق منا الكثير من التبصر العقلاني للتفكير بعهد جديد فيه من الثقافة الحقيقية الكثير جدا. قيس العزاوي: هذا امر صحيح للغاية, كون التعصب الديني في العراق اليوم امر خطير للغاية وبحاجة لمعالجة شاملة, حيث رأينا ما كتبه في الفترة الاخيرة, عدي صدام حسين في جريدة بابل ضد المسلمين الشيعة وسياسته العنصرية ضد الاكراد غنية عن التعريف. تراجع ثقافي شاكر عبدالحميد: ما دمنا نفكر في ثقافة العراق مابعد صدام, هناك امر طريف ومؤلم في وقت واحد فبقدر حقد اصحاب القرار, الذين لايتجاوز عددهم اصابع اليد, على الثقافة والمثقفين العراقيين, نراهم يتسابقون للحصول على لقب الدكتوراه باسهل الوسائل للتغطية على عقد نفسية وللاساءة الى اصحاب المعرفة الحقيقية, مما يوضح لنا سبب التراجع المتعمد في الثقافة العراقية, التي بات غير المتعلم صاحب الرأي في تحديد اوجه تطورها من عدمه, وهي المأساة بام عينها خاصة عندما يصبح عدي صحفي القرن العشرين, بكل ما ينطوي ذلك من استهانة بحق التعلم والمعرفة والقدرة على وضع الامور في نصابها الصحيح, ولكم ايها الاخوة ان تقدروا قيمة الحاجة لبناء ركائز ثقافة بديلة خالية تماما عن جهية الفرد ونزواته المريضة على مختلف الاصعدة. قضية ووطن هشام داود: يبدو اننا ابتعدنا عن المحور الاساسي هو الحديث عن المثقف في العراق اليوم, فالمثقف لم يعد منفصلا عن الاجساد الاجتماعية الاخرى, فهو الموظف والجامعي في وقت واحد, ومن هنا لانملك, في الواقع التعليمي بكل مراحله, فيما علينا حقيقة الامر, المفهوم الواضح للمثقف, حيث جرى الحديث الاعتراف بشيء واحد وهو اننا بعد 34 سنة من حكم البعث نجد ان المثقف العراقي في حالة من الاحباط التام التي تجعل منه عدمي النزعة, لذلك من الضروري اخذ هذه الحقيقة على محمل الجد وباهمية استثنائية, فبعد كل للاخلاقيات الجماعية, سواء باشكال التعبير او تدارس الظواهر الاجتماعية واتخاذ القرارات بشانها, هذا التدمير اضحى المثقف العراقي يتعمد التهرب من قضايا كانت تمسه في الصميم. نحن نتحدث عن قضية ووطن, لكن اية قضية واي وطن, فهذه الامور تم تقزيمها بشكل كبير للغاية, اضحمل فيها دور المثقف الى حد بعيد جعله يتساءل عن حركة المجتمع من خلال اشكال تعبيره, وهنا فان السؤال الذي طرحه الخبير الفرنسي لويزار لا يخص مجتمعنا فحسب انما كافة المجتمعات التي لم تجد جوابا لواقع حالها المناقض لرغباتها العامة. لايوجد مجتمع خال من التعدد, فالفرنسيون واجهوا الموضوع في تراثهم بنوع من العنف, وبالنسبة لمجتمعاتنا وبلداننا فان مشكلة التعدد تواجه المثقف بعنف, فالمثقف المنصف والمتحرر من سلطة الدولة سيتعامل مع الذي يمسنا باعتقادي, هو مشكلة المثقف, الموضوع كونه من مصادر اغناء ثقافة المجتمع, والامر الاخر العراقي في الخارج, وعلاقته بمثقفي الداخل, حيث سأسوق لكم مثلا, ان الفلسطينيين يسمون, لحد اليوم, عرفات وجماعته التونسيون رغم انهم كانوا في بيروت تحت القصف والتدمير, وكانوا في الاردن, ومع ذلك لايزالون غير مقبولين من فلسطيني الداخل, وعليه فاذا كان الاعتقاد بان الذي سياتي من الخارج هو الذي سيجلب الحل ومن في الداخل تابع لصدام في هذه الحالة ستكون الهوة عميقة للغاية, وهو ما يجب التفكير به مبكرا. هناك ايضا موقف المثقف النقدي ومكانته داخل المجتمع ومكانته السياسية والادبية ومكانته التعددية بالنسبة للمجتمع العراقي واين هي نقطة ارتكازه, فهناك الكثير ممن يقولون ان الثقافة الاسلامية هي الاساس فيما يطالب البعض بعقد اجتماعي يعترف بحقوق الناس جميعا, فيما يبحث اخرون عن الهوية التاريخية, وهي مجموعة قضايا تفرض على المثقف العراقي واجب تدارسها بالكثير من التروي قبل التفكير بالخطوة اللاحقة.