استقطب المهرجان الوطني للتراث والثقافة، هذا العام، عددا من المفكرين والمثقفين والساسة، فضلا عن الإعلاميين البارزين في الوطن العربي، وشكل حضور هذه الأسماء علامة مميزة في (جنادرية 28). الإعلامي عمر العلوي ابن المفكر العراقي حسن العلوي، وأحد المهتمين بالإنتاج التلفزيوني في مجال البرامج الوثائقية، أوضح ل«عكاظ» أنه يشارك للمرة العاشرة في مهرجان الجنادرية، مبينا أنه يعتبر أهم مهرجان ثقافي عربي في الوقت الراهن. العلوي، الذي أشاد بتنوع وجرأة البرنامج الثقافي لهذا العام، انتقد في الوقت ذاته غياب المثقف السعودي وكذلك المؤسسات الإعلامية في المملكة عن حلقات النقاش التي تدور على هامش المهرجان في ردهات الفندق المعد لإقامة ضيوف الجنادرية، لافتا إلى أن حضور أكثر من 350 مثقفا ومفكرا وسياسيا من جميع أنحاء العالم يجب أن يستغل من قبل الإعلام السعودي بشكل أفضل. وحول الظروف السياسية والثقافية والاقتصادية التي يشهدها العراق، قال العلوي: «تداعيات المنطقة بدأت من العراق عام 2003، والنظام الجديد في العراق ورث حجما كبيرا من الخراب، وكنا نأمل أن يكون نظام ما بعد صدام حسين قادرا على القضاء على هذا الخراب أو تقليل حجمه، ولكن السنوات الماضية أثبتت أن الخراب ما زال قائما، بل إنه يزداد يوما بعد آخر». وأضاف «الحالة العراقية سيئة بكل مقاييسها، حيث إن البلد يفتقد للأمن والأمان والخدمات، وهذا لا يجعلنا نتفاءل بقيام نهضة، بل إن نتائج تلك الفوضى انعكست بشكل سلبي على التعليم والحركة الثقافية والرياضية والاقتصادية». والده وصدام حسين وبسؤاله عن موقف والده المفكر حسن العلوي من صدام حسين وما شهدته تلك العلاقة الثنائية من تقارب وتنافر، أجاب قائلا: «أولا أنا مفتون بشخصية والدي، ولا أخفيك بأني أحاول استنساخ تلك الشخصية، وقد كان والدي مقربا من صدام حسين أيام أحمد حسن البكر، وأصبح رئيسا لتحرير مجلة ألف باء العراقية في ذلك الوقت، لكن بعد وصول صدام إلى السلطة نفذ إعدامات كثيرة بحق أقاربنا، بينما كان والدي يقضي إجازته في لندن، وطلب منه صدام ألا يعود لأنه بدأ يشك بأن والدي يحيك مؤامرة ضده، لكن والدي عاد ووضع تحت الإقامة الجبرية لمدة شهر واحد، إلى أن تمكن من الخروج لسورية ليصدر صحيفة المؤتمر المعارضة، وأصبح منذ ذلك الوقت معارضا لصدام بعد أن كان من المدافعين عنه لسنين طويلة». وبسؤاله عما إذا كان موقف والده من صدام، نشأ عن أسباب أيديولوجية أو طائفية، نفى ذلك قائلا: «والدي يضع مصلحة العراق أولا بعيدا عن الطائفية والحزبية السياسية، وقد اشتهر بحسه القومي ودفاعه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ضد المرويات التاريخية التي تسيء لعمر أو أي رمز ديني، والدليل على ذلك قوله في كتاب عمر والتشيع (العروبة في أيامها الأولى تحملني طفلا إلى أحضان عمر قبل أن يأخذني عمر إلى العروبة لاحقا)». وأضاف «كما أن والدي علق على مشهد إعدام صدام حسين، مؤكدا أن مشهد الإعدام كان طائفيا، وأن من أعدم هو صدام السني وليس صدام الديكتاتور، وتابع قائلا: شجاعة صدام حولت ربطة شنقه لربطة عنق». فوضى الإعلام وحول المشهد الإعلامي العراقي، أوضح العلوي بأن هناك 110 صحف تصدر من العراق يوميا، و68 محطة فضائية عراقية ناطقة بالعربية، فضلا عن القنوات الأخرى في إقليم كردستان، والتي تبلغ 40 محطة ناطقة بالكردية، وهذا يؤكد بأن هناك وفرة في العدد، ولكن من حيث النوع ما زالت تلك القنوات ضعيفة جدا ومسيسة، وتعمل لخدمة حزب أو طائفة ولا تؤدي الدور الذي ينتظره منها المواطن العراقي الحقيقي. واستطرد العلوي قائلا: «الفضائيات تحديدا غير مستقلة وما زالت تتخبط من خلال انحيازها لبعض الحركات السياسية في العراق أو عملها وفق رؤية أصحاب رؤوس الأموال الذين لا يفقهون أبسط أبجديات الإعلام». وأوضح أن الإعلامي العراقي يجب أن يكون مستقلا، كما أن المنابر الإعلامية في العراق تفتقر للدعم المالي الكافي من الحكومة، وأضاف «من الأخطاء الكبيرة في العراق إلغاء وزارة الإعلام، وهذا خطأ كارثي يشابه إلى حد كبير خطأ الحكومة القاضي بحل الجيش العراقي، ورغم أن التجارب أثبتت بأن دور وزارات الإعلام كان سلبيا في بعض البلدان العربية، ولكن أي وسط يحتاج إلى جهة إشرافية، وكنت أتمنى إنشاء هيئة للإعلام تقوم بمهمة الإشراف وتحد من الفوضى الإعلامية التي يعيشها الوسط الإعلامي في العراق هذه الأيام». التطاول والشتم واستطرد قائلا: «تصافحنا القنوات العراقية يوميا بالعديد من الأسماء التي تتطاول وتسب وتشتم، وعادة ما يكون هجومها موجها ضد أحزاب أو حركات سياسية أو أفراد أو رموز من طوائف معينة، وهذا بدوره ينعكس على الشارع على شكل فوضى عارمة، قد تتطور في كثير من الأحيان إلى عنف دموي، ومن هنا تبرز الحاجة لجهة إشرافية تنظم وتراقب وتحاسب». وحول الحراك الثقافي في العراق، أوضح عمر العلوي بأن تجاذبات المشهد السياسي في المنطقة ألقت بظلها على الثقافة، مبينا أن وزارة الثقافة العراقية ما زالت «كسيحة» على حد وصفه، ولا تؤدي أي دور. وأضاف «إذا كان وزير الدفاع هو وزير الثقافة، فهذا عنوان يكفي ليعرف الجميع دور هذه الوزارة وتوجهاتها». وقال: «إن عسكرة هذه الوزارة ليست أكثر خطرا من أدلجتها، حيث إنها مجندة لخدمة بعض الحركات والأحزاب، وهذه هي الكارثة التي تجعل من هذه الوزارة جهة لحفر الأخاديد ودفن ثقافة العراق». أسوأ الأيام واستطرد قائلا: «من أسوأ أيام حياتي يوم إعلان بغداد عاصمة للثقافة العربية، حيث كان الجميع شاهدا على ذلك التنظيم السيئ والحضور الأسوأ الذي لا يتناسب مع بغداد التاريخ وبغداد الأدب، تلك المدينة التي احتضنت العديد من رموز الثقافة العربية، الأمر يحتاج إلى عملية متكاملة تشارك فيها الحكومة العراقية ومؤسسات المجتمع المدني، فضلا عن المثقف العراقي في الداخل والخارج، وأنا أحمل المثقف العراقي المتواجد في الخارج، وخصوصا في أوروبا وأمريكا، جزءا كبيرا من مسؤولية انتكاسة الثقافة العراقية، إذ لا بد أن يتجاوز التنظير عن بعد، ويعود إلى بلده للمساهمة في حركة البناء وتهذيب المشهد الثقافي من الشوائب».