حين تبدأ نظرتك من التراث، وتمدها الى الحاضر، تجد ثنائية (العامة/ الخاصة) ماثلة امامك، في القول، وفي السلوك. القدماء كانوا يطلقون على الناس غير المتعلمين ومن في حكمهم: العامة، والسواد، والغوغاء، والرعاع وغير ذلك من المفردات المهينة. جاء في العقد الفريد ج2 ص264 (الغوغاء: الدبا. وهي صغار الجراد. وشبه بها سواد الناس) وراح يستشهد بقول ابي تمام:==1== ان شئت ان يسوء ظنك كله==0== ==0==فأجله في هذا السواد الاعظم==2== وقول دعبل:==1== ما اكثر الناس، لابل ما اقلهم==0== ==0==الله يعلم اني لم اقل فندا اني لافتح عيني حين افتحها==0== ==0==على كثير ولكن لا ارى احدا==2== وجاء في (الامتاع والمؤانسة) ج1 ص 225 (التصدي للعامة خلوقة "مهانة" وطلب الرفعة بينهم ضعة، والتشبه بهم نقيصة، وما تعرض لهم احد الا اعطاهم من نفسه وعلمه وعقله.. اكثر مما يأخذ منهم من اجلالهم وقبولهم وبذلهم.. الخ). وهكذا.. تستطيع ان تملأ مئات الصفحات التي تحمل السخرية من العامة، والتحذير من جهلهم الكامل. اما في ازمنتنا الحاضرة، وتحديدا منذ بدء النهضة، لم تتغير ثنائية (العامة/ الخاصة) في حين ان المفروض هو تغير المفاهيم وموازين الامور، والا كيف سميت نهضة؟ جاء في (طبائع الاستبداد): "العوام هم قوة المستبد وقوته. بهم عليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب اموالهم فيحمدونه على ابقاء حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته. واذا اسرف في اموالهم يقولون كريما، واذا قتل منهم ولم يمثل يعتبرونه رحيما، ويسوقهم الى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ (..) والحاصل ان العوام يذبحون انفسهم بأيديهم بسبب الخوف الناشىء عن الجهل.. الخ". الكواكبي/ الاعمال الكاملة ص459. اعتقد ان زاوية و احدة لا تكفي لاستعراض ما تركته هذه الثنائية (العامة/ الخاصة) من رؤية سوداء او (الظن الاسود) كما يعبر ابو تمام في تاريخنا. فهذه قطرة من نهر. ولا ادري هل اعود الى هذا الموضوع ثانية او لا؟