التعاون يواصل التعثر في «دوري روشن» بالتعادل مع الخلود    موسم للتشجير الوطني بنجران    المملكة تعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف بالسودان    30 جهة تشارك في المنتدى الحضري العالمي بالقاهرة    أودية ومتنزهات برية    مخالفو الإقامة الأكثر في قائمة المضبوطين    بالإجماع.. إعادة انتخاب عبدالله كامل رئيساً لإدارة مجلس «عكاظ» ل 5 سنوات    ميقاتي يتابع قضية اختطاف مواطن لبناني    حين تصبح الثقافة إنساناً    جدة: القبض على 5 لترويجهم 77,080 قرص «أمفيتامين» و9,100 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    "فيفا" ينهي تقييمه لملف ترشح المملكة لإستضافة مونديال 2034    فرع الصحة بجازان ينظم مبادرة "مجتمع صحي واعي" في صبيا    وزير الإعلام يرعى ملتقى المسؤولية المجتمعية الثاني في 20 نوفمبر    في الجوف: صالون أدب يعزف على زخات المطر    بلدية محافظة البكيرية تنفذ فرضية ارتفاع منسوب المياه وتجمعات سطحية    المملكة تُعلن عن اكتشاف أكبر موقع تعشيش للسلاحف البحرية في البحر الأحمر    فان نيستلروي: يجب أن نكون وحدة واحدة لنحقق الفوز على تشيلسي    257,789 طالبا وطالبة في اختبارات نهاية الفصل الدراسي الأول بتعليم جازان    الجوف تكتسي بالبياض إثر بردية كثيفة    الهلال يطوي صفحة الدوري مؤقتاً ويفتح ملف «نخبة آسيا»    جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تعقد المؤتمر العالمي لطب الأعصاب    اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر    الأردن: لن نسمح بمرور الصواريخ أو المسيرات عبر أجوائنا    رونالدو يعلق على تعادل النصر في ديربي الرياض    إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبد العزيز الملكية    وسم تختتم مشاركتها في أبحاث وعلاج التصلب المتعدد MENACTRIMS بجدة    حقيقة انتقال نيمار إلى إنتر ميامي    مرثية مشاري بن سعود بن ناصر بن فرحان آل سعود    مثقفون يناقشون "علمانيون وإسلاميون: جدالات في الثقافة العربية"    دبي.. رسالة «واتساب» تقود امرأة إلى المحاكمة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    هيئة الهلال الاحمر بالقصيم ترفع جاهزيتها استعداداً للحالة المطرية    الكلية التقنية مع جامعة نجران تنظم ورشة عمل بعنوان "بوصلة البحث العلمي"    أمانة القصيم تقيم المعرض التوعوي بالأمن السيبراني لمنسوبيها    حدث بارز لعشاق السيارات وعالم المحركات، المعرض الدولي للسيارات    وقاء جازان ينفذ ورشة عمل عن تجربة المحاكاة في تفشي مرض حمى الوادي المتصدع    ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار سقف محطة قطار في صربيا إلى 14 قتيلاً    المذنب «A3» يودِّع سماء الحدود الشمالية في آخر ظهور له اليوم    الرياض تشهد انطلاق نهائيات رابطة محترفات التنس لأول مرةٍ في المملكة    تصعيد لفظي بين هاريس وترامب في الشوط الأخير من السباق للبيت الابيض    ماسك يتنبأ بفوز ترمب.. والاستطلاعات ترجح هاريس    الحمد ل«عكاظ»: مدران وديمبلي مفتاحا فوز الاتفاق    حائل: إطلاق مهرجان هيئة تطوير محمية الملك سلمان بوادي السلف    البدء في تنفيذ جسر «مرحباً ألف» بأبها    مبدعون «في مهب رياح التواصل»    أمير المدينة يرعى حفل تكريم الفائزين بجوائز التميز السنوية بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    الطائرة الإغاثية السعودية السابعة عشرة تصل إلى لبنان    ما الأفضل للتحكم بالسكري    صيغة تواصل    الدبلة وخاتم بروميثيوس    أماكن خالدة.. المختبر الإقليمي بالرياض    «الرؤية السعودية» تسبق رؤية الأمم المتحدة بمستقبل المدن الحضرية    هوس التربية المثالية يقود الآباء للاحتراق النفسي    عمليات التجميل: دعوة للتأني والوعي    المرأة السعودية.. تشارك العالم قصة نجاحها    مدير هيئة الأمر بالمعروف في منطقة نجران يزور مدير الشرطة    أمير منطقة تبوك ونائبه يزوران الشيخ أحمد الخريصي    لا تكذب ولا تتجمّل!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلي كاتب يحترم القارئ والمسكوت عنه أكثر من المصرح به عنده
كتاب اليوم على صفيح "الرأي الآخر"
نشر في اليوم يوم 07 - 02 - 2003

(قد يظن من يقرأ هذا أنه صورة (مجازية) ضاحكة، ولكني أسوق أمامه التأكيد بعد التأكيد على أنها صورة واقعية صافية بعيدة عن الخيال). بالجملة السابقة يختم الأستاذ/ محمد العلي كتابته (ملعب آخر) المنشورة يوم الأحد (1 ذو الحجة 1423ه). يقدم العلي في كتابته وصفا لوقائع مباراة خيالية رغم تأكيده على واقعيتها بين فريق (التراث) وفريق من (الكتاب والشعراء والنقاد) امتنع لسبب في نفسه أو لعدم أهمية الموضوع عن إطلاق أي اسم عليه، تاركا للقارئ حرية اختيار اسم لهذا الفريق المتألف من أسماء لها حضورها المتميز في المشهد الثقافي المحلي: تركي الحمد، على الدميني، عبدالله الغذامي، سعد البازعي، سعيد السريحي، معجب الزهراني، حسن المالكي، عبدالله الحامد، تركي السديري، عبدالواحد الحميد، محمد المحمود. أما تشكيلة فريق (التراث) فتألفت من أسماء كتب تراثية هي : ألف ليلة وليلة، العقد الفريد، الكامل للمبرد، كتاب الأغاني، أخبار الحمقى والمغفلين، تفسير الأحلام لابن سيرين، رجوع الشيخ إلى صباه، ديوان الحماسة، كتاب الأمثال.
امتناع العلي عن تسمية الفريق الأول يأتي منسجما مع أسلوبه المعروف في الكتابة الذي يجمع جملة أو عددا من الثنائيات المتضادة والمتناقضة: السهولة والصعوبة،الغموض والوضوح،الإيضاح والإلماح،التعبير والسكوت. ودائما ما يكون المسكوت عنه في كتابة العلي أكثر من المصرح به. ليس لعدم قدرة العلي على التصريح لأي سبب من الأسباب،بل لأنه يكتب بهذا الأسلوب لقناعته بأن خير الكلام ما قل ودل أولا،وثانيا وربما، هذا هو الأهم من وجهة نظره،لإعطاء القارئ الفرصة ليكون شريكا للكاتب في أفكاره عبر تحفيزه على إثارة الأسئلة خاصة حول ما يلمح الكاتب إليه أو يسكت عنه وهكذا تتحول القراءة من نشاط ذهني إيجابي فاعل،إلى حوار بين الكاتب والقارئ،لا مجرد علاقة بين كاتب/ مرسل يقدم إجابات جاهزة لقارئ سلبي خامل اعتاد التلقين والتلقيم. يعبر هذا المنحى في كتابة العلي عن الاحترام الكثير العميق الذي يحمله للقارئ الذي يرفض (العلي) كما يبدو من كتابته أن يجعله هدفا للوعظ والتلقين والزجر والنهر،وهو الفخ الذي يقع فيه الكثير من الكتاب. القارئ عند العلي شريك فاعل نشط له عقل يفكر به ويتأمل ويتجاوب إيجابيا مع ما يقرأ. وانطلاقا من هذه الرؤية والتصور لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الكاتب والقارئ،لم يطلق أي اسم على الفريق الأول،مثلما امتنع عن ذكر أسباب انهزامه في المباراة التي خاضها مع فريق (التراث). على القارئ أن يشهر السؤال تلو السؤال لكي يصل إلى معرفة السبب أو الأسباب التي قد تتعدد بتعدد القراء،وهذا ما يهدف العلي إلى تحقيقه.وليس أمامي كقارئ أعتبر نفسي مواظبا على قراءة العلي إلا أن أمارس تمرين توليد الأسئلة في الفضاء الذي ينداح فيه السكوت،(سكوت العلي بالطبع).
وأول سؤال يتبادر إلى ذهني هو : هل يلمح العلي ويشير ضمنيا عبر تخيله هذه المباراة ولعبه دور المعلق أو الصحفي الرياضي إلى وجود صراع بين هذين الفريقين ميدانه الواقع الاجتماعي المرموز إليه بالجماهير التي حضرت لمشاهدة المباراة. صراع بين تيارين فكريين مختلفين،أحدهما تراثي كما يبدو واضحا من اسم الفريق،وتيار تنويري حديث معاصر كما يفهم من إشارة العلي إلى طموح أعضاء الفريق الأول. يتضح من خلال الكتابة أن العلي يومئ إلى أن ثمة صراع غايته انتصار أحد الفريقين على الآخر في مجال التأثير على الواقع الاجتماعي. انه صراع بين متنافسين أحياء وأموات ولكنهم أحياء عبر مؤلفاتهم.. اللاعبون الذين أثار دخولهم الملعب عاصفة تصفيق وهتاف من قبل الجمهور. وكان في طليعة اللاعبين/الكتابان النجمان الثاقبان: وهما تفسير الأحلام لابن سيرين ورجوع الشيخ إلى صباه.
تتضح فكرة الصراع/التنافس التي تحكم وتحدد العلاقة بين الفريقين/ الطرفين في اختيار العلي المباراة وسيلة لتصوير وتجسيد تلك العلاقة. فاختياره ليس عفويا واعتباطيا وخاليا من أي معنى ودلالة. بمعنى آخر، يتوسل العلي بالملعب مكان حدوث المباراة للتعبير عن الطبيعة الصراعية التنافسية بين القديم والحديث. فالملعب هو الميدان أيضا،والميدان ميدان المعركة ومكان تطاحن الجيوش واقتتالها الذي هو أوضح وأقسى تجليات الصراع والعنف. فالفريقان المذكوران جيشان من الناحية المجازية،مثلما أن فريق كرة القدم جيش من الناحية المجازية أيضا كما يتبين من تشكيلته وأدوار اللاعبين فيه: حارس،دفاع،هجوم،رأس حربة،وسط،جناح ايمن،جناح ايسر. وتغدو هذه الفكرة أكثر وضوحا عندما نتذكر تشكيلة الجيش وترتيبه واصطفافه في الميدان في الأزمنة القديمة: طليعة/ مقدمة،مؤخرة،ميمنة،ميسرة. وغالبا ما تبدأ المعارك بمبارزة بين فارسين من الطرفين المتحاربين ,قد حل محلها في كرة القدم طقس القرعة بحضور رئيسي الفريقين. وتتعمق فهمنا للعلاقة بين كرة القدم خاصة والحرب عند تذكر الألقاب التي تطلق على نجوم الكرة (الرمح الملتهب) ماجد عبدالله،(الصاروخ)،أو أسماء الضواري والكواسر (الوحش،العقاب)...الخ. ولعل الخطاب الرياضي أو اللغة التي يكتب ويتحدث بها المعلقون والمحللون الرياضيون أفضل معبر عن العلاقة بين كرة القدم والحرب.
إذن مباراة العلي ما هي إلا تجسيد لصراع محتدم بين الفريقين للاستحواذ على اكبر رقعة من التأثير على المجتمع. أسئلة أخرى قد تثيرها كتابة العلي وهي: لماذا انهزم الفريق الأول،فريق المعاصرة؟ ولماذا لم يصفق له الجمهور وما علاقة ذلك بهزيمته؟ لماذا وكيف انتصر فريق التراث في الملعب وعلى المدرجات في كسب الجمهور لصفه ؟ لماذا انتصر فريق (التراث) على هاتين الجبهتين؟ لا يقدم العلي أية إجابة،ويترك للقارئ مهمة البحث عن الإجابة أو إجابات تتعدد وفقا لعدد القراء وتختلف باختلاف خلفياتهم الاجتماعية ومرجعياتهم الثقافية والمعرفية.
هل يقصد العلي أن المثقف المعاصر ممثلا في أعضاء الفريق الأول يواجه أزمة على مستوى علاقته بمجتمعه الذي يعيش ويتحرك فيه مما يجعله غير قادر على تحقيق حلمه وطموحه إلى تنويره و (غرس الوعي فيه)؟ إذا كان الأمر كذلك فان من أسباب الأزمة ما ذكره أحد أعضاء الفريق الأول نفسه،تركي الحمد،في كتابه المسمى ب (الثقافة العربية في عصر العولمة) عن مشكلة الثقافة العربية الناشئة من وجود فجوة بين ثقافة الخاصة وثقافة العامة والتي تحولت إلى نوع من الانفصام شبه التام بين ما تطرحه وتمارسه النخبة المثقفة،وبين ما يجري فعلا على أرض الواقع الاجتماعي. انه نوع من فقدان المرجعية العامة التي توفر تعددية الطرح في إطار ثقافي متفق عليه جمعيا (153). يعزو الحمد حالة الانفصام هذه في جزء كبير منها إلى أن (التحديثيين ) أو ما يمكن أن نطلق عليهم لقب (التنويريين) تواصلا مع طرح العلي يقدمون ثقافة نخبوية ويشيدون تماثيل غالبا ما تكون مأخوذة من خارج المكان،ولا علاقة لها بمتغيرات المكان الخاص (الحمد،153). هل سبب هزيمة الفريق الأول (التنويري) فقدانه المرجعية ونخبويته الثقافية المتأثرة إلى درجة كبيرة بما يحدث خارج الواقع الاجتماعي الذي يسعى إلى تغييره عبر التأثير على أفراده كما يجادل تركي الحمد متفقا بذلك مع علي حرب على أن أزمة المثقف هي في نخبويته (أوهام النخبة أو نقد المثقف،1996). وهل يوافقهما العلي الرأي؟ لا يمكن الإجابة قطعيا بالإيجاب،وربما هناك أسباب أخرى من وجهة نظر العلي. وهو وحده من يستطيع الإجابة عن السؤال السابق. وحسن انه لم يفعل.
وقوفا بالقبيلة
تحت عنوان القبيلة الاختيارية (الثلاثاء 3 ذو الحجة 1423ه) كتب محمد العلي عن تأثير القبيلة على التاريخ والثقافة وسلوك الإنسان في الواقع الاجتماعي العربي،والتأثيرات السلبية لمفهوم القبيلة على الروح الاجتماعية،والذهنية الفردية والعامة،وتحول القبيلة إلى عقبة تعطل حركة تطور هذا الواقع وتعرقل انطلاقته إلى رحاب الحضارة. ويشير العلي إلى أن انتماء الفرد للقبيلة أمر إجباري ليس له خيار فيه،فالعربي لم يختر القبيلة التي يحمل اسمها على ظهره،مثلما لا يستطيع اختيار عائلته،لأن القبيلة كانت التشكيل والإطار الاجتماعي المفروض على الفرد العربي في الماضي،وكان قائما على محورية فكرة إلغاء الفردية لصالح الجماعية. يضع العلي في مواجهة مفهوم القبيلة الإجبارية مفهوم القبيلة الاختيارية وتجسداته في التكوينات والتنظيمات الاجتماعية الحديثة مثل الأحزاب والنقابات وغيرها. موضحا عمق وقوة تأثير القبيلة بنمطها القديم وتغلغلها في الذاكرة والذهنية العربية،يذكر العلي أن انضمام الفرد العربي إلى التنظيمات الجماعية المعاصرة يحدث في إطار البحث عن الأمن والحماية اللذين كانت القبيلة توفرهما،وليس تعبيرا عن إيمان واقتناع الفرد العربي بطروحات وتوجهات تلك التنظيمات أو بحثا عن مناخات تمارس فيها حرية الرأي،مما يعني أن العربي لا يزال مسكونا بالقبيلة،وانه لا يتخيل أو يتوقع انه سيعيش في أمان خارج إطارها الضاغط عليه والمصادر لحريته وفردانيته،على النقيض تماما من الفرد الغربي الذي ينتمي إلى تلك التنظيمات اقتناعا بما تطرحه تلك الجماعة.
الأنصاري.. يعلق الجرس
اختار الدكتور عيسى بن حسن الأنصاري موضوعا لمقالته المعنونة ب كيف نعلق الجرس؟ (السبت 29 ذو القعدة 1423) تأثيرات ثورة المعلومات على المجتمعات المدنية في الدول النامية،والشروخ الكبيرة التي أحدثتها المتغيرات في بنياتها،كما يبدو في انقسام الناس إلى ثلاث فئات تتبنى مواقف جد مختلفة من تلك المتغيرات: الفئة الأولى راحت تركض لاهثة خلف هذه المتغيرات متأثرة إلى درجة عالية بثقافة الآخر،وقد قادها هذا التأثر إلى الانسلاخ عن ثقافتها المحلية واتهامها بالجمود والتخلف. ويرى الأنصاري أن هذه الفئة عديمة النفع والفائدة وتمثل طاقة مهدرة وتسربا فكريا لا فائدة للمجتمع منه وقد يصورون انطباعا كاذبا عن المجتمع أمام الآخرين بأنه مثقف من خلاله. الفئة الثانية لم تكترث بالمتغيرات من حولها وصرفت اهتمامها على همومها ومصالحها الشخصية مؤثرة العيش في عزلة عن المجتمع ، وتطبع الانهزامية سلوك هذه الفئة. استأثرت الفئة الثالثة بجل اهتمام الأنصاري في هذه المقالة وربما يعكس هذا التركيز من قبل الكاتب إدراكه خطورة موقف هذه الفئة من المتغيرات التي يكتب عنها من ناحية،ويعكس من ناحية أخرى الضدية الحادة التي تسم موقف الأنصاري نفسه من تلك الفئة. يصف الأنصاري الفئة الثالثة بأنها ترفض وتقاوم بكل ما أوتيت من قوة المتغيرات من حولها بسبب اعتقادها بأن ما يحدث راهن في تضاد كامل مع معتقداتها وقيمها. ويضاعف الأنصاري حدة انتقاده لهذه الفئة بذكره أنها بدلا من أن تستهدف بمقاومتها المتغيرات نفسها،تهاجم مصادرها من منطلق إن لم تستطع أن تهاجم الفكرة فهاجم صاحبها.
يختتم الأنصاري بالفئة الثالثة تصنيفه للناس في الدول النامية حسب تجاوبهم وتأثرهم بالمتغيرات في المجال المعلوماتي ,مما يدعو إلى التساؤل عما إذا كان لا توجد هناك فئات أخرى تتفاعل مع تلك المتغيرات بطريقة إيجابية وان بدرجات متفاوتة،وتكون لتفاعلها انعاكسات إيجابية تصب في صالح تطور وتقدم الدول النامية. والسؤال الذي لا استطيع كبح الرغبة في طرحه: إلى أية فئة ينتمي الأنصاري نفسه؟ الأمر الآخر الذي يلفت النظر في مقالة الأنصاري انه ومنذ البداية يدفعك إلى الاختلاف معه،ليس اختلافا يطال كل ما كتبه،إنما يقتصر على بعض المنطلقات المفهوماتية والفكرية التي تنهض عليها كتابته وتتحدد وتتشكل بها. تكشف مقدمة مقالة الأنصاري تورطه في التعميمية عبر فرضه التجانس على غير المتجانس باستخدام مفهوم (المجتمع المدني) في العبارة الاستهلالية :تعصف بالعالم الذي نعيش فيه متغيرات سريعة خاصة في المجال المعلوماتي تسببت في إحداث شروخات كبيرة في المجتمعات المدنية بالدول النامية. استخدام الأنصاري للمفهوم جعل كل المجتمعات في الدول النامية متجانسة متماثلة من حيث إنها مدنية في حين أن الواقع يزخر بالأدلة والشواهد على أن الحال ليس كذلك،وان المجتمعات في الدول النامية تتفاوت في توافرها على سمات وخصائص المجتمع المدني. بعبارة أخرى،استخدم الأنصاري المفهوم المجتمع المدني كمصطلح مظلة جمع تحته مجتمعات على درجة عالية من الاختلاف سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. إن استخدام المصطلح بهذه الطريقة ودون اخذ تلك الاختلافات بعين الاعتبار يؤدي حتميا إلى طمسها،مثلما يطمس مصطلح المظلة الآخر الدول النامية الفروق والاختلافات بين الدول التي يستخدم في تصنيفها وتوصيفها. يمثل استعمال الأنصاري مفهوم المجتمع المدني بهذه الطريقة المجانسة الطامسة للاختلافات اتجاها سائدا في كثير من الكتابات والدراسات حيث يتم التعامل مع هذا المصطلح بطريقة مطاطية وغير دقيقة. فلو اعتمدنا التعريف البسيط للمجتمع المدني،انكشفت أمام نواظرنا حقيقة انتفاء صفة مدني عن العديد من المجتمعات في الدول النامية. يستخدم المفهوم المجتمع المدني للإشارة لتلك المنظومات من العلاقات الاجتماعية التي تتميز بتمتعها بالاستقلال النسبي عن الدولة. والحقيقة أن هذا المصطلح إشكالي وتختلف دلالاته من مفكر إلى آخر،فمفهوم المجتمع المدني عند هيغل يختلف عنه عند هابرماس على سبيل المثال،والماركسي يختلف بدوره عن الهيغلي رغم تطور الأول عن الأخير. أما إذا استحضرنا ما يذكره ب. فرانكل وهو تعريف موضع خلاف،يتبين بوضوح أن كثيرا من المجتمعات النامية لا يمكن اعتبارها مدنية. يجادل فرانكل في أن الحركات الاجتماعية التي تنهض على جهود ونشاط عمال موظفين في مصانع تملكها الدولة أو طلاب في جامعات تسيطر عليها الدولة لا يمكن اعتبارها جزءا من المجتمع المدني لأنها توجد وتتحرك داخل الدولة الأكبر. يفهم من هذا أن مدنية أي مجتمع تتحدد وفق درجة ومدى استقلالية مؤسساته عن الدولة. ولو تأملنا واقع المجتمعات في الدول النامية نرى أن الدولة هي الموظف الأكبر وهي المسيطر على الاقتصاد والتعليم وحتى عندما يكون هناك ما يطلق عليه تعليم خاص أو أهلي فانه لا يتمتع بالاستقلالية عن المؤسسات التعليمية الحكومية. أود أن أختم التعليق على مقالة الأنصاري بقائمة خصائص المجتمع المدني التي يقترحها سلفادور غاينر: الفردانية/ الفردية إذ يكون الفرد هو أساس الحياة الاجتماعية،الخصوصية،السوق،التعددية ويقصد بهذا توزع القوة خلال نسيج العلاقات الاجتماعية بطريقة تفضي إلى تشكل ثقافة التعايش،العلاقات الطبقية. هل تتوافر هذه الخصائص في مجتمعات الدول النامية؟
الفزيع والقسوة على الذات
في زاويته المعنونة بالقسوة على الذات (السبت 29 ذو القعدة 1423ه) يطرح الأستاذ/ خليل الفزيع وجهة نظر مفادها أن امتناع الإنسان عن الإسهام في خدمة الآخرين وتجنبه الحوار معهم هو نوع من أنواع ممارسة القسوة على الذات. اتفق مع الأستاذ خليل جملة وتفصيلا على أهمية و ضرورة الحوار،لكنني اختلف معه حول اعتبار إعراض المرء عن المشاركة أو الحوار ضرب من ضروب القسوة على الذات. أولا،لأن الفزيع لم يكن مقنعا أو بعبارة أخرى،اخفق في توضيح كيف يكون ذلك السلوك قسوة على الذات؟ ثانيا،إن رفض الإنسان للحوار قد يكون وسيلة لحماية الذات وتعزيزا لها عبر الإيغال في نفخ الأنا التي ترى أنها أرقى وأرفع شأنا من الآخرين،وانهم لا يستحقون منها اصغر التفاته،ناهيك عن الولوج في حوار معهم. وقد يغذي الرغبة عن الحوار مع الآخر توهم الإنسان أن الآخر(الآخرين) خطر يهدد أمنه وطمأنينته النفسية،أو قناعاته وأفكاره مثلما نرى في حال الفئة الثالثة في مقالة الدكتور الأنصاري. السويدان.. المعلم في الزاوية أهمية الأتباع ونوعيتهم،عنوان زاوية الدكتور/ طارق السويدان (الأحد 1ذوالحجة 1423ه). يجذب الانتباه في كتابة السويدان هذه كما في كتاباته السابقة وربما القادمة الأسلوب التعليمي الذي تتشكل به كتاباته. لا يقدم السويدان نفسه كاتبا يطرح رأيا أو آراء تجاور آراء أخرى لكتاب آخرين في صفحة الرأي،إنما يحرص على أن يبدو معلما يخاطب تلاميذ انتظموا في صفوف أمامه أو تحلقوا حوله،ومهمته أن يصب في رؤوسهم المعلومات التي يعتقد أنهم في حاجة إليها ويجب أن يحفظوها. هذا الطابع التلقيني التعليمي لكتابات السويدان مصدر تنفير للقارئ،على الأقل أنا،حيث أواجه صعوبة كبيرة في إتمام قراءة ما يكتبه رغم حرصي الشديد على ذلك.
من يتأمل بنية أية زاوية يكتبها السويدان يكتشف أنها محاضرة معدة للإلقاء في قاعة الدرس ولكنها ظلت الطريق وانتهت إلى الجريدة.
خليل الفزيع - محمد العلي
طارق السويدان - عيسى الأنصاري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.