لقد ظلت الأسرة والمدرسة والمسجد لعقود طويلة خلت تلعب دوراً كبيراً في تكوين مدارك الفرد وثقافته إلى أن انتقلت المهمة إلى التكنولوجيا .. بحيث بات لكل شاب عالمه الافتراضي الخاص به. الأمر الذي أثر على الترابط الأسري وزيادة العزلة والتباعد بين أفراد العائلة وتوسيع فجوة الصراع في ما بينهم.. عدا عن ترسيخها ثقافة وأفكاراً جديدة على مجتمعاتنا العربية وأفرزت سلوكيات تختلف تماماً مع خصائصها.. وكل ذلك بحجة التطور.لا ننكر ان استخدام التكنولوجيا هو أمر مهم جداً ولكن لا بد أن يكون هناك ترشيد في استخدامها.. بحيث يكون هناك وقت متخصص لاستخدام الوسائل التكنولوجية بشكل يجعلها لا تستقطع من الوقت الخاص بالتواصل بين أفراد الأسرة والمجتمع. لكن للأسف في عالمنا العربي نجد الكثير من الشباب يسيئون استعمالها إلى درجة الإدمان .. يختارون تقنيات هم في غنى عنها .. عدا عن أنهم لا يستخدمونها كوسيلة اتصال.. بل وسيلة لملء أوقات الفراغ كاستخدام الموبايل. إن الاندماج التام في استعمال أدوات التكنولوجيا يزيد من عزلة الفرد .. بل يزيد ايضا من استعداد الفرد للانطواء وتوسيع الفجوة بين الآباء والأبناء .. وهذا ما لمسناه في واقعنا حيث ان عملية التواصل الاجتماعي بين أبناء الأسرة الواحدة قد تأثرت كثيرا بمواقع التواصل الاجتماعي.. فأصبح هناك نوع من الاستغناء .. بالاضافة إلى وجود نوع من الخصوصية الشديدة لكل فرد داخل الأسرة الواحدة .. وهذا كله ولا حواجز نفسية لدى الشباب.. خاصة ان الأب والأم لا تكون لديهما ثقافة التعامل مع هذه التكنولوجيا في أغلب الأحيان.. وهذا ما جعل التواصل معقداً وشبه منعدم .. حيث ان الشباب هذه الأيام أصبحوا يتفاعلون أكثر مع أصدقائهم عبر الانترنت كما أن الأغلبية منهم قلت قدرتهم على التواصل الاجتماعي بالمجتمع بصفة عامة.. علاوة على ذلك فإن الكثيرين من الشباب اليوم ليس لديهم أي نوع من حس الانتقاء.. فهم يتقبلون أي شيء وهذا أمر خطير جداً.. لأنه يحدث نوعاً من التشويش في شخصية الشباب من الممكن أن يتطور إلى اضطرابات نفسية خاصة إذا كان لديه استعداد لذلك.. هنا قد تبدأ عنده عملية المقارنة بين الواقع وما يتعرض له خلال تعامله مع المنتجات التكنولوجية وما تحتوي عليه.. وكل هذا يولد لديه نوعا من عدم اليقين ما يزيد حالة الاضطراب لديه.. كما ان الانخراط في استخدام التكنولوجيا وادمانها ينتج عنه انخفاض معدلات الذكاء الاجتماعي الذي يعتمد على التواصل الاجتماعي.. بالاضافة إلى عدم اتقان كيفية التصرف وسط الجماعة وكيفية جذب الأصدقاء وكيفية الحديث وكيفية العمل الجماعي وما إلى ذلك .. ويكون هناك احيانا سوء استخدام للتكنولوجيا لان معظم ما يتعرض له الانسان جراء ادمانه هذه التكنولوجيا ليس بالضرورة ان يكون مفيداً هناك مثلا بعض المواقع الاباحية التي قد يدخلها الفرد والبرامج أو المضامين التي تحمل أفكاراً هادمة للقيم والعادات، ان اندماج الفرد في مثل هذه المواقع قد يولد شخصا يحمل أفكاراً شاذة وعدوانية من الممكن ان تتطور إلى ميول عدوانية بالاضافة إلى تأثيرها في بنيانه ونضجه النفسي.. ان هذا كله يعد بمثابة اختراق ثقافي مسيس يتعرض له الشاب العربي من دون وجود أي عناية من قبل الجهات المختصة ..حيث نجد ان هناك ثقافات واتجاهات داخل الاسرة الواحدة.. ما يولد صراعا قيميا داخل هذه الاسرة. ولعلنا نلاحظ ان نسبة التنافر بين الآباء والأبناء ازدادت بعد دخول التكنولوجيا الحديثة بيوتنا فقبل دخولها كانت هناك حالات ضئيلة ولها ظروفها الخاصة، لم يعد هناك أي نوع من أنواع التعاطف والتكاتف والتكافل الاجتماعي ما أسهم في تلاشي قيم المجتمع التراحمي، لهذا نشدد على ضرورة أن يكون لدى الشباب أنفسهم خلفية جديدة حول كيفية التعامل مع هذه الأدوات التكنولوجية الحديثة وكيفية خلق شخصية سوية عن طريق معرفة كيفية التعامل مع أبنائهم مستقبلا وغرس القيم المعنوية الجيدة فيهم واعلائها.. وهذا لن يتحقق دون اعداد الانسان بأن تطرح أمامه التقنيات الحديثة وكيفية استخدامها ومتى.