مع استمرار الانتفاضة الثانية تعرض الاقتصاد الفلسطيني في مناطق الحكم الذاتي الى عددا من التحولات والتغيرات والضغوطات والتقيدات التي فرضها الاحتلال الاسرائيلي والتي ادت الى اعاقة وعرقلة أية فرصة للتنمية الاقتصادية المستديمة أو تطوير قاعدة انطلاق لتطوير اقتصاد مستقل. فقد ادت القيود والضغوط الاسرائيلية الى انهيار منتظم في كثير من الفروع الاقتصادية التقليدية دون احداث أو تشجيع نمو مواز في القطاعات الاقتصادية الحديثة اذ تم القضاء على كل بوادر النمو في القطاعات الاقتصادية الحديثة في مهدها. وكانت العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني أدت لتدمير البنى التحتية للسلطة الفلسطينية كما دمرت الدبابات والجرافات الطرقات والمدارس وصادر الاسرائيليون الوثائق الادارية من الوزارات الفلسطينية. لقد أثرت سياسات اسرائيل المتبعة في تطبيق اجراءات العقوبات الجماعية والفردية وفرض الحصار والاغلاق ثم العدوان وأخيرا اعادة احتلال مدن الضفة الغربية 29 مارس الماضي تأثيرات بالغة الخطورة على جميع الأصعدة خاصة الصعيد الاقتصادي فقد انخفض الناتج المحلي الاجمالي بحوالي 70 في المائة بعد احتلال الضفة الغربية وفرض حظر التجوال وارتفع معدل البطالة من 12 في المائة عام 2000 الى 65 في المائة حاليا وازداد عدد العاطلين عن العمل ليصل الى 366 ألف شخص. كما اتسعت دائرة الفقر من 23 في المائة عام 2000 الى 75 في المائة حاليا وارتفع الدين العام الى 900 مليون دولار وبلغ العجز في الموازنة 877 مليون دولار. وفي خطوة اخرى اعتبرتها حكومة الاسرائيلية انها رادعة وانها ستشكل ضغطا قويا على القيادة الفلسطينية من اجل وقف تصاعد المواجهات قامت بحجز الاموال المستحقة للسلطة الفلسطينية على اسرائيل من ضرائب وغيرها وبلغت الاموال الفلسطينية المحتجزة لدى الحكومة الاسرائيلية 700 مليون دولار. وقالت القيادة الفلسطينية ان حكومة اسرائيل قد خرقت اتفاق باريس الاقتصادي الذى ينص على تحويل هذه الاموال الى السلطة الفلسطينية في فترة أقصاها ستة أيام من جبايتها. وقد أدخلت الاجراءات الاسرائيلية السلطة في أزمة حادة حيث لم تتمكن من تغطية رواتب موظفيها البالغ عددهم 110 آلاف الا بعد ان حصلت على التبرعات من بعض الدول العربية والاتحاد والاوروبي بقيمة 53 مليون دولار. كما ان السياسية الاقتصادية المتبعة من الحكومة الاسرائيلية جعلت أكثر من 24ر2 مليون فلسطيني من أصل 2ر3 مليون في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيشون تحت خط الفقر وازداد هذا العدد خلال الأربعة شهور الماضية بسبب العدوان الوحشي والممارسات الاسرائيلية. وقد بلغت قيمة الأضرار التي ألحقتها ألة الحرب الاسرائيلية بقطاع المباني والطرق حوالي 339 مليون دولار ووصل عدد المنازل المدمرة والمتضررة الى 35 ألف منزل منها 2600 منزل هدم كلي أو بات بحاجة لاعادة بناء اضافة الى 426 منشأة أمنية دمرت بالكامل و 118 منشأة اقتصادية. ولم تكتف الحكومة الاسرائيلية بفرض الحصار والاغلاق بل منعت دخول البضائع والمواد الخام اللازمة لتشغيل بعض القطاعات الصناعية الانتاجية التي تستوعب ألاف الأيدي العاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة ومنع خروج الصادرات من المنتجات الفلسطينية وهو ما دفع غالبية هذه القطاعات الاقتصادية ئلى الاستغناء عن العمال في مناطق الحكم الذاتي.كما أن المعابر والمنافذ التي تربط مناطق الحكم الذاتي بالعالم الخارجي تسيطر عليها القوات الاسرائيلية وتمارس من خلالها سياسات الخنق الاقتصادي كما عمدت الحكومة الاسرائيلية الى اغلاق هذه المعابر ومنع دخول المساعدات التموينية والانسانية عبرها الا ما ندر حيث تركت مكدسة على الحدود في الأردن ومصر. ونتيجة للضغوطات الاسرائيلية فقد طالت البطالة أكثر من 366 ألف عامل وفق الاحصاءات وزارة العمل الفلسطينية وليصبح ما يقرب من ثلثي الشعب الفلسطيني يعيش تحت خط الفقر ولا يجد العاطلون طريقة لمواجهة أعباء الحياة التي تضيق الخناق عليهم سوى التظاهر للتعبير عن رفضهم لهذا الواقع وللمطالبة برفع الحصار الاسرائيلي. ولتردي الاوضاع الاقتصادية تقف السلطة الفلسطينية عاجزة أمام مشكلة البطالة التي تفوق امكانياتها المحدودة والتي أصبحت كما يرى المراقبون عبئا وضغطا اضافيين عليها في مواجهة الاوضاع الصعبة الناجمة عن الحصار وتدمير البنى التحتية لاجهزة الامن والمؤسسات الحكومية وعمليات الاحتلال والتوغل الاسرائيلية اليومية. ان الحصار العسكري والاقتصادي الاسرائيلي على المناطق الفلسطينية لم يكن نتيجة انتفاضة الأقصى انما هو سياسة معروفة ضمن مخطط مدروس ومبرمج تطبقها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 وذلك لضرب أية امكانية لوجود اقتصاد وطني فلسطيني. الى جانب الاهداف السياسية فان اعاقة مشاريع التنمية الفلسطينية يمكن اسرائيل من البقاء والهيمنة على السوق الفلسطينية فتقليص الانتاج الزراعي والصناعي ضمن المستويات الحالية يعني غياب منافسة حقيقية للمنتوجات الاسرائيلية التي تشكل 90 في المائة من الواردات الفلسطينية.