تعدى الكاريكاتير في الصحف المصرية دوره المعتاد في مدارس صحفية أخرى كمتنفس للتعبير أو الانتقاد المبطن غير المباشر لأوضاع حكومية واجتماعية، ليكون وسيلة تعبير محببة تلسع الجميع ولكن دون ابتذال يثير الاستهجان وتستفيد الصحف على اختلاف طيفها السياسي في هذا المجال من هامش حرية لا توقف فيه أية صحيفة دون حكم قضائي . فن الكاريكاتير الذي اخترعه الفرنسى اونوريه دومبيه في أواخر القرن ال 19 من أجل نقد المجتمع البورجوازي والطبقة المخملية تجاوز هذه الأهداف ليتحول إلى وسيلة سخرية ونقد مغلفة بخفة دم وطرافة تنجح في تحويل الواقع إلى مجرد نكتة كبيرة تنتقل بسرعة الريح من الإسكندرية في أقصى الشمال إلى أسوان في أقصى الجنوب ، كجزء من تركيبة نفسية واجتماعية اشتهر بها المصريون عبر تاريخهم وتميزوا بها في مقاومة ظلم الاستعمار والحكام وقسوة الظروف أحيانا. وتعددت مدارس الكاريكاتير في مصر على يد عمالة مثل طوغان ورخا وصاروخان وعبد السميع واستمرت على يد رسامي روز اليوسف وصباح الخير وكثيرون مثل صلاح جاهين ومحمد حاكم ورءوف عياد وبهجت وجمعة وغيرهم ، حتى جاء مصطفى حسين ليؤسس على صفحات أخبار اليوم نموذجا محببا اشترك معه بالفكرة الكاتب الساخر أحمد رجب صاحب نصف كلمة الشهير ليكونا ثنائيا رائعا بالكلمة والرسم والفكرة . وتعددت الشخصيات الساخرة من المصري أفندي إلى رفيعة هانم حتى فلاح كفر الهنادوة الأشهر حاليا حيث لازالت صحيفة أخبار اليوم منذ سنوات تنشر كاريكاتيرا ثابتا لا يتغير فيه سوى مضمون الحوار، وهو يظهر رئيس الحكومة يستمع لفلاح يتهكم بخفة ظل على أوضاع اجتماعية واقتصادية، ويحللها بما يشبه السخرية، وهو كاريكاتير شهير لم يتغير فيه سوى رؤساء الحكومات المتعاقبة.. ولم ينج من سخريته أي رئيس وزراء مصري .. للدرجة التي قيل أن رئيس الوزراء الأسبق الدكتور عاطف صدقي كان حريصا على قراءة هذا الكاريكاتير بشدة . وعلى الصعيد السياسي العربي، يظهر أحد الرسوم مفتشا دوليا وقد قام بتعرية رئيس النظام بالكامل، ويطالبه بإثبات عدم وجود مواد نووية لديه، ويظهر رسم آخر عجوزا يشعر ببرد شديد يقول لزوجته .."الدنيا برد جدا أمريكا حاتولع المنطقة امتىوفي انتقاد للصراعات الفلسطينية الداخلية، يظهر أحد الرسوم فلسطينيين يحملان ياسر عرفات مصابا على نقالة، وكل منهما يجري في اتجاه معاكس للآخر.أما الاحتجاج على غلاء فواتير الهاتف، فيتمثل باتصال مخترع الهاتف جراهام بل بشركة الاتصالات محتجا على الأسعار. ويكون الاحتجاج على غلاء الدروس الخصوصية بمدرس يقول لتلميذ: إنه سيقدم له درس نحو، ثم يقدم لوالده درس صرف. وفي احتجاج غير مباشر على سائقي سيارة الأجرة، هناك شخص يصف آخر بأن مخه يشبه عداد التاكسي، فيسأله لماذا، فيرد لأنه ما بيشتغلش.أما الاحتجاج على الواسطة فيمثل بسؤال مدرس لتلميذ عن أقصر مسافة بين نقطتين، فيرد عليه بأنها الواسطة. أما الهاربون بقروض مليارات الجنيهات من البنوك، فمثلوا برسم شخص يتصل بهم ليقول: بابا فين ..أقوله مين ..قول له البنك . وفي انتقاد لتعاطي المخدرات، يسأل شخص صاحبه وهما يدخنان، لماذا تلبس قبعة فيرد؟! حتى أعرف رأسي من رجلي .أو متعاطي مخدرات يقول لصاحبه: بإلي من أمس مشغول فيرد ممكن السماعة كانت مرفوعة. وفي انتقاد لأوضاع السينما يقول رجل لزوجته طبخك أصبح زي الأفلام الجديدة، نيء وناقص سوى .. ولم يسلم التلفزيون من انتقاد لكثرة مسلسلاته، برسم لطبيب يفحص مريضا سمينا في شهر رمضان، ليقول له: إن لديه انتفاخ مسلسلات وورم برامج هلس. وفي إشارة لقانون خلع الزوجات لأزواجهن، تهدد إحداهن زوجها بأنه ما لم يغسل الأطباق وينظف المنزل سيكون مخلوعا بالثلاثة. أما أزمة السكن فتتجسد بسمسار يقول لباحث عن شقة مرهق من كثرة البحث، إنه وجد له مدفنا يرد الروح وينفع دنيا وآخرة ومن الشخصيات الساخرة الثابته في الصحف هناك عبدة مشتاق الذي ينافق ويمارس كل شيء طمعا في منصب سياسي لا يصل إليه، وكمبوره الوصولي الانتهازي وعباس العرسه المتزلف إلى رؤسائه بشكل مبالغ فيه . وفي إشارة انتقادية لمشاكل التلوث والكساد والغلاء، يودع مصري رث الملابس ومفلس سنة 2002 التي تم رسمها على هيئة امرأة دميمة بالقول: في ستين داهية ربنا لا يعود أيامك تانيومن اللافت أن هذه الانتقادات مبطنة كانت أم مباشرة لا تضيق بها الحكومة، وأنها استقرت لتكون أبوابا ثابتة في مختلف الصحف، حتى أن صحيفة قومية رئيسية كالأهرام خصصت ملحقا أسبوعيا يتضمن عشرات الرسوم الكاريكاتيرية والمقالات الساخرة والطرائف.