"يا رب احفظ العراق وصدام.." بهذا الدعاء المسطر تحت صورة ضخمة للرئيس صدام حسين يستقبل العراق زائريه عبر نقطة حدود طريبيل فيما يحوم شبح الحرب فوق رؤوس العراقيين بينما كانوا يتابعون بقلق وترقب نتائج القمة الامريكية-البريطانية-الاسبانية في جزر الازور يوم الاحد. وسط برد الصحراء القارس.. بالكاد وصل بضعة مسافرين فجرا من عمان إلى نقطة الحدود التي استقبلت عشرات المسافرين في الاتجاه المعاكس إلى العاصمة الاردنية. في الجهة المقابلة على حدود الكرامة، تعيد السلطات الاردنية الكثير من الراغبين في مغادرة البلاد ما لم يكونوا حاصلين مسبقا على تأشيرة عبور إلى دولة ثالثة أو قادمين لاغراض العلاج أو الدراسة أو التجارة. بينما طوت السيارة العمومي الطريق السريعة الممتدة خمسمئة وخمسين كيلو مترا غرب بغداد مرت باتجاه الحدود عشرات السيارات السوداء تحمل لوحات دبلوماسية في إشارة إلى إخلاء دبلوماسي هربا من حرب وشيكة تخطط لها واشنطن ولندن. وأفادت مصادر دبلوماسية أن أعداد المفتشين الدوليين آخذة بالتناقص التدريجي، ما ينذر باحتمالات شن هجوم أمريكي-بريطاني على غرارعملية "ثعلب الصحراء" عام1998التي نفذها الامريكيون والبريطانيون غداة إخراج مفتشي لجنة يونيسكوم السابقة من العراق. وقال الطالب الاردني نادر هلسة إنه قرر مغادرة العراق خشية وقوع الحرب برغم احتمالات ضياع دراسته الجامعية. وشاطره الرأي إحسان هلسة الذي حذر من أن الحرب الوشيكة لا تهدد العراقيين فحسب بل هي تلقي بظلالها على سائر شعوب المنطقة. وكانت وزارة الخارجية الاردنية قد طلبت الاسبوع الماضي من سفارتها في بغداد العمل باتجاه تسهيل خروج نحو ثلاثة آلاف طالب وطالبة يتابعون دراساتهم في جامعات العراق. ويبدو أن بوصلة العراقيين سارعت إلى استشعار الخطر المحدق ببلادهم غداة الاعلان في بغداد عن تقسيم البلاد إلى أربع مناطق عسكرية تحت إمرة الرئيس العراقي المباشرة، وبينما غادرت خمس مروحيات تستخدمها كوادر الاممالمتحدة في عمليات البحث والتنقيب عن أسلحة التدمير الشامل. فقد اصطفت مئات السيارات ضمن طوابير على محطات الوقود في بلد يصنف ثانيا من حيث حجم مخزونه الاستراتيجي المثبت من النفط الخام بواقع مليار وخمسة عشر مليون برميل. وتواصلت عمليات حفر الخنادق في محيط بغداد وحول المواقع الحساسة كما استمرت إقامة الاستحكامات التقليدية بأكياس الرمل في حين لوحظ زيادة انتشار بطاريات المدفعية المقاومة للطائرات. وداخل بغداد، لم يعد السؤال المطروح متى ستندلع الحرب بل كم ستحصد من الارواح. وكثرت تساؤلات الصحفيين الاجانب عن أي من المواقع أو الفنادق التي قد تكون مستهدفة أكثر من غيرها. الكثير منهم استقل أول سيارة لمغادرة العراق وبعضهم رص الصفوف للاقامة في فندقين فخمين متقابلين، كانا شبه مهجورين خلال العقد الماضي في بلد غابت عنه الافواج السياحية تحت الحظر الدولي. واستضافت الاذاعات العراقية الرسمية عددا من الاطباء والممرضين للحديث عن مبادئ الاسعافات الاولية ولتحذير المواطنين من خطر تكديس الوقود في المنازل أو تخزين المواد التموينية في أجواء غير صحية. "فليحفظ الله العراق".. هذا الدعاء ينتشر في مختلف أرجاء البلاد وفي قلوب العراقيين على حد سواء. احد شوارع بغداد وقد غص بالمشاة في ظل جو الحرب المحدقة متطوعون عرب يتدربون في العراق