إذا كانت الثورة الصناعية قد أخلت بالتوازن الا كولوجي إلي حد كبير فإن العولمة الاقتصادية قد ارتفعت بهذا الخلل درجات متقدمة تهدد البشرية باختلالات عميقة في الحياتين البيولوجية والنفسية. في الثمانينيات تجلت مظاهر عالمية للاختلالات أبرزها انسحاق كبير في غابات الأمازون أمام المناشير الكهربائية للشركات العابرة للقارات. ثم ثقب الأوزون الذي كان بداية نذير بزوال محتمل للغطاء الواقي للكرة الأرضيةالذي يحميها والكائنات التي تعيش فيها من خطر تسرب أنواع من الإشعاعات الكونية الضارة.. كما رأينا في بعض البلدان الاوروبية ما سمي حينها بثورة الأرض حيث كفت الأراضي الزراعية عن العطاء وذلك بقدر الاعتداءات علي الكائنات اللصيقة بالبيئة الزراعية تحت ذريعة مكافحة الحشرات الضارة... فجاءت النتيجة وبالاً علي الأرض والزراعة معا. كما بدأ هطول أمطار حمضية في غير مكان من العالم وذلك من جراء انبعاث الغازات السامة من مباخر المصانع. اما المدن فقد شهدت تلوثا غير مسبوق وتزايداً في نسبة ثاني أكسيد الكربون.. واستمرت هذه الظواهر إلي يومنا. لأن كل التدابير والإجراءات المحلية والإقليمية والعالمية لم تتمكن من إقناع طغاة المال والاستثمار ممن لم يتنازلوا قيد أنملة عن مؤشرات الارباح والتدمير المنظم للطبيعة وتلويث البحار والأنهار بل المياه الجوفية. وبالانتقال إلي زمن العولمة الذي جاء استتباعاً لكامل المقدمات التاريخية التي حكمت الانتقالات الدراماتيكية من الماركنتيلية الأولي إلي عصر الكشوفات والاستعمارات إلي الثورة الصناعية ثم التكنولوجيا الرقمية والمعلوماتية التي تسير بقوة دفع لا حدود لها وبتسارع هائل يتوازي مع تزايد في أنانية البشر واتساع في فجوة التناقض بين شمال وجنوب العالم وازدهار لمؤسسات القوة والمال العالمي الذي تجيز الوحشية العالمية الجديدة وتتهور في ابادة البشر قبل الطبيعة. إن كل هذه المسائل جعلتنا أمام حقيقة مرعبة حيث تستمر المصانع الكبري بنفس وتائر الإنتاج.. كما تزداد نسبة الغازات السامة في الجو وتختنق المدن بالكربون والملوثات وتنتشر أمراض الكآبة والإصابات بالضغط والقلب والسكر.. وفي نفس الوقت تعجز التشريعات الدولية من الحد من استخدام الأسمدة الصناعية الملوثة للخضراوات والفواكه مما ينعكس علي صحة الإنسان ويجعله عرضة للسرطانات والقصور الكلوي والموت المفاجئ. كل المؤشرات تدل علي ان هذا المد المشحون بنشوة الازدهار المزيف يزداد عتواً ونفورا.. كما تدل المؤشرات علي ان منظومة الملوثات تنوعت وتكاثرت وأصبحت تتناسخ بصورة مضطردة. في الزراعة مازالت مؤشرات استخدام الاسمدة الصناعية في تزايد بالرغم من التنبيهات والتعاميم الدولية في هذا الصدد. ترتفع حرارة الكوكب سنويا مما ينذر بأوخم العواقب وقد نبه العلماء إلي ان الاحتباس الحراري سيذيب ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي كما سيرتفع منسوب البحار مما يهدد مئات المدن الساحلية بالغرق والاختفاء.. كما ان تزايد الجفاف في بعض المناطق وبصورة غير مسبوقة ينذر باختلالات بيئية فارقة تأتي بصورة زلازل أو أمطار غير متوقعة وزائدة عن الحد أو رياح عاصفة وفيضانات نهرية مدمرة. ومن الغريب ان التكنولوجيا والمعلوماتية الحديثة فتحت آفاقا واسعة لبدائل كثيرة تساعدنا علي الخروج من المركزية إلي اللامركزية.. غير ان الاستثمارات وجشع رأس المال لا يقبل بالتنازل عن مصالحه ولو قيد أنمله.. ولا يبالي بالكارثة المحدقة بعديد من المدن الكبري في العالم. إن هذا الحديث ليس من باب التهويل أو المبالغة فقد رأينا أمثلة علي مثل هذه الكوارث كما حدث علي سبيل المثال لا الحصر في زلازل اليابان ورومانيا أو عواصف الولاياتالمتحدة وفيضانات الصين.