من المفيد حقا ان تتحدث عن قضية المسكن وما تحتويه من ابعاد مختلفة تعيشها المدينة السعودية في وقتنا الحالي.. هذه الابعاد تتجاوز مجرد توفير المسكن الى نوعية المسكن المطلوبة.. هذا بالطبع لا يعني الحديث عما نسميه (المسكن المرفهة) او (المسكن الكبير) الذي يستحوذ على تفكير افراد الاسرة السعودية بل هو حديث عن المسكن المناسب، على ان المشكلة الحقيقية هي في تعريف ماهية المسكن المناسب بأنه على يقين انه سيقول الكثير من القراء الافضل ان ما هو مناسب يختلف عند كل منا وهذا يجعل الامر صعب التحديد للغاية يصل الى درجة الابهام ولكن هذا لا يقتضي بالضرورة اننا لا نستطيع تحديد صورة المناسب ولو بشكل عام فبالتأكيد نحن نشترك في العديد من القضايا والقيم ونظم الحياة والمسكن كظاهرة ثقافية يستجيب بعمق وفي الجوهر الى ما نشترك فيه وهذا بالطبع يجعلنا ننظر للمسكن كظاهرة ثقافية مجتمعية.. ان الحديث عن هذا المسكن يستلزم بالضرورة نقد صورة المسكن التي تشكلت في اذهان الناس عندنا وارتبطت بثقافة الطفرة منذ ما يقارب ثلاثة عقود والتي لم تتزحزح رغم كل التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى الديموغرافية التي مرت على بلادنا فتلك الصورة الاخاذة للمسكن مازالت مسيطرة لا تتغير ولا تتبدل, بل اننا نراها تترسخ وتتحول الى غاية تسعى لها الاسرة منذ بدايات تكوينها وقد تمضى في سبيل تحقيقها أزهى سنوات عمرها.. فلقد مر عشليّ اثناء عملي مع العديد نم الاسر السعودية التي تفكر دائما في المستقبل الوهمي عند تصميم مسكنها ذلك المستقبل الذي لا يأتي على الاغلب فتخرج مساكنهم كبيرة وترضي المجتمع وشكلياته لكنها لا ترضي الاسرة ولا تريحها. لقد تحولت هذه الصورة الى كابوس مزعج يربض على صدور مقدرات ابنائنا في المستقبل.. فهل المطلوب منا فعلا التماشي مع هذا الكابوس وقبوله كقدر صنعناه بأيدينا. اعتقد انان وبدون ادنى تردد سوف نقول.. لا.. ربما قولنا لا يصب في رغبتنا في التغيير لما نسميه بثقافة المسكن السعودي التي تدفع الاسرة نحو الكثير من القيود الاجتماعية والاقتصادية غير الضرورية.. فالصورة الرومانسية للمسكن اصبحت احد روافد الاحباط التي يشعر بها شبابنا فمن ناحية هؤلاء الشباب لا يستطعيون تحقيق تلك الصورة ومن ناحية اخرى تتزايد عليهم الضغوط الاجتماعية الى الدرجة التي صاروا يشعرون فيها بالنقص وهذا بالتأكيد يدفعهم للقبول بما هو اصعب وهو الدخول في مغامرة الديون وتحمل ضغوط فوق طاقتهم وقدرتهم المادية.. لذلك فاننا نرى انه من المهم ان نحاول تغيير الصورة التي يجب ان تكون عليها مساكننا وهذا بالتأكيد يتطلب تغيير هذا المفهوم.. إن المسألة ثقافية بحتة والتغيير الثقافي تجابهه صعوبات عدة لعل اولها تحديد طبيعة (ثقافة المسكن) عندنا التي قد تختلف من مدينة لأخرى ومن قرية لأخرى ومع ذلك فهناك بعض التوجهات العامة التي قد تكون مفيدة لاحداث هذا التغيير دون تحديد تفاصيله, وهذا الامر اؤيده بشدة ففي رأيي المتواضع اجد ان الناس لديهم القدرة على بناء الصورة الثقافية للمسكن وتعديلها باستمرار إذا كانت هناك توجهات عامة تحدد مسار التعبير وبناء الصورة الجديدة.. اذن دعونا نتحدث قليلا عن هذه التوجهات وهي ربما تصب مباشرة من هدف التغيير الذي نتمناه في الاونة الاخيرة ظهر اتجاه لتصغير المسكن من خلال فرز الوحدات السكنية الى مسكنين او اكثر (دوبلوكسات) وهذا احد التوجهات العامة الاساسية لتغيير صورة المسكن الطفرة.. فحجم المسكن يعني تغيير العديد من التقاليد البالية التي ارتبطت بمساحات اضافية للمسكن دون حاجة فعلية لها.. وهذا بدوره سينعكس على تكلفة المسكن وصيانته الدورية.. ورغم ان العديد من الاسر ترى في هذا التغيير مجرد مرحلة انتقالية, وهذا في حد ذاته امر غير مطمئن, الا اننا يجب ان نؤكد على اهمية صغر حجم المسكن كبداية حقيقية لصيانة ثقافة المسكن الجديدة لدينا.. ومع ذلك علينا ان نتذكر ان المشكلة تخطيطية من الاساس.. اي ان قضية المسكن لايمكن ان تحل دون اعادة التفكير في سياسة تخطيط الاحياء السكنية في المدن السعودية.. لعل البعض يقول (سبق السيف العذل) فالاحياء خططت وتحولت الى ملكيات خاصة, ومن الصعوبة بمكان ان يعاد التفكير فيها.. وبذلك يجب علينا الاستسلام للواقع على الاقل من هذه الناحية.. ربما يكون هذا الكلام جزءا من الحقيقة التي يجب علينا ان نتعامل معها.. ولا اقصد هنا الاستسلام لها.. فهناك الكثير من الافكار التي يمكن وضعها لمثل هذه الاحياء التي يملكها ملاك متعددون.. فهناك حلول جزئية يمكن ان يجمع خلالها بعض الملاك لبناء بيئتهم السكنية التي يرتضونها.. وهو حل ملائم جدا لثقافتنا وتكويننا الاجتماعي الذي يميل دائما الى تكوين جماعات داخل الاحياء السكنية غالبا ما تكون تلك الجماعات متجانسة (وكان يطلق عليها حارة, او حوش كما في المدينةالمنورة او فريج كما في الاحساء والساحل الشرقي).. يفترض علينا اذن دعم مثل هذه الافكار التي تتطلب مبادرة من المواطنين ومرونة من الامانات والبلديات.. ولكن ماذا عن الاحياء السكنية المستقبلية.. فمازلنا نرى الامانات تعطي فسوحات لأحياء سكنية لانتفق مع تطلعاتنا المستقبلية.. احياء تكرر اخطاءنا السابقة دون الاستفادة من المحاولات الجديدة لبناء احياء سكنية مغلقة.. ربما تكون كلمة مغلقة ليست الكلمة الانسب وهذا يجعلنا نسميها آمنة وهذا أحد خصائصها.. ومدنه وهذه خاصية اخرى.. ومع ذلك فان هذه التجربة تفتقد كذلك للفهم العميق للوحدة السكنية المناسبة للأسرة السعودية.. فمازالت هذه الاحياء تكرس ثقافة المسكن المرفهة دون ان تضع في اعتبارها التحولات الاقتصادية المالية والمستقبلية.. ودون ان تكون هذه التجربة معينا لسد النقص في المساكن.. لذلك فاننا نرى انه من الواجب ان تعي السياسات الخططية لاحيائنا السكنية مساحة الارض اي انه لا يجب ان تزيد الارض بأي حال من الاحوال على 400م2.. وان تتاح فرصة للبناء الى ثلاثة طوابق لان في ذلك حل لمشكلة كبيرة تعانيها الاحياء السكنية والمدن السعودية بشكل عام استطيع ان اوجزها في فكرة التمدد الاسري الذي يدعو كثيرا من الاسر الى الخروج لأحياء جديدة دائما وهجرة الاحياء القديمة وبالطبع تمدد المدينة عمرانيا والتكاليف الباهظة المترتبة على ذلك لذلك فان مساحة 400م2 ستكون مناسبة لأسرة متوسطة الحجم تستطيع ان تمدد رأسيا مع الوقت وتحافظ على وجود ابنائها بالقرب منها في حالة تحويل الادوار العليا الى شقق سكنية ونحن هنا نشجع ان تفكر الاسرة في التفكير مسبقا اثناء التصميم في كيفية تحول الطوابق العليا الى شقق لان ذلك سوف يقلل من التكاليف.. ومع ذلك فاننا لانستطيع ان تتحدث عن كل المشاكل التي يعانيها المسكن والحي السكني في المدينة السعودية ولكن اثارة بعض القضايا بين الفينة والاخرى مهمة... ولعل فكرة التمدد الاسرى هي من اهم المشاكل التي عانتها المدينة السعودية من العقود القليلة الماضية لان الاسرة صارت تنتقل من حي لآخر في غضون سنوات قليلة مما افقد المجتمع خاصية التلاحم ربما يشهر الكثير منا بعدم وجود التلاحم الاجتماعي الذي كان نتيجة عدم الاستقرار السكني.. اعتقد انها قضية تستحق التفكير.. حالة من القلق والتناقض تعيشه البيئة السكنية في المدينة السعودية ربما تجعلنا اكثر اصرارا على التغيير.. ولكن السؤال يبقى.. التغيير الى ماذا؟ ضياع التناسق في عمراننا الحديث