فلقد حاول البيت الأبيض حتى قبل عودة المفتشين الدوليين الى العراق في نوفمبر/ الماضي عرقلة نقل الصورة الحقيقية لعمليات التفتيش في العراق تماما كما رفضت في اكتوبر من العام الماضي ان يرافق مراقبون مستقلون المفتشين التابعين للامم المتحدة ردا على طلب حكومة صدام حسين (البائدة) بأنه يتعين ان ترافق وسائل الاعلام المستقلة وغيرها المفتشين في مهمتهم بالعراق مشيرة الى انه اذا لم يحدث ذلك فان الولاياتالمتحدة ستستخدم المفتشين ذريعة لشن حرب، هذا في الوقت الذي تعلم فيه الولاياتالمتحدة علم اليقين بحقيقة امتلاك اسرائيل لاسلحة دمار شامل تحت سمع وبصر اللجنة الدولية للطاقة النووية التي لاتجرؤ على مراقبة برامجها النووية، بل انها ذهبت الى ابعد من ذلك عندما استخدمتها الحكومة العمالية بزعامة جولدا مائير كوسيلة من وسائل الضغط على حكومة الجمهوري ريتشارد نيكسون خلال حرب اكتوبر 1973م، والذي تمخض عنه لاحقا الجسر الجوي العسكري الامريكي الذي ربط بين كل من (تل أبيب) و(نورث كالورينا). ... بل لعلنا لا نذهب بعيدا هنا عندما نؤكد بان جذور (حفلة العراقالامريكية الدموية قد أقيمت في الاساس) ولو بعد حين (ارضاء لعيون اسرائيل اولا واخيرا بعد ان اطلق نظام صدام حسين البائد تصريحاته العنترية مهددا بانه يملك من الاسلحة ما يكفي لحرق نصف اسرائيل) وهو ايضا ما يفسر التهديدات الامريكية الملاحقة ضد سوريا والذي يمثل فيه (حزب الله اللبناني) وعملياته (الفدائية) ضد مستعمرات شمال اسرائيل (كلمة السر)، وما يفسر ايضا قطع ادارة بوش كل خطوط اتصالاتها السياسية والدبلوماسية مع سلطة ياسر عرفات بحجة عدم قدرتها على ايقاف (العمليات الارهابية ضد اسرائيل!!!) والتي تعني بطريقة اخرى ضرورة تصديها لقمع الانتفاضة الفلسطينية التي خرجت مطالبة في حق الشعب الفلسطيني في الحياة الحرة الكريمة، بما فيها صيانة مقدساته من عبث العابثين كشارون وزمرته. وعودة الى بادئ ذي بدء نعود لنؤكد بانه عند وقوع الحرب حاولت الولاياتالمتحدة التضييق كثيرا من حركة المراسلين وشبكات الاخبار العالمية (غير الامريكية) الذين تواجدوا من شتى انحاء العالم لتغطية ما يحدث في العراق ضاربة عرض الحائط بكل مقولات دور (السلطة الرابعة) في نقل الحقائق المجردة، وكان الهدف واضحا الا وهو (اعلام من طرف واحد يعكس وجهة النظر الامريكية) ولاشيء غير ذلك، وهو ما تفعله اسرائيل يوميا مع الصحافة العالمية المستقلة تارة، ومع (الدروع البشرية) التي جاءت كشاهدة على ما يحدث من انتهاكات انسانية تارة اخرى، وعليه فلا عجب ان اقدمت اسرائيل جهارا نهارا وتحت سمع وبصر العالم اجمع يوم الخميس المنصرم على توقيف صحفيين فرنسيين في مطار ابن جوريون بعد ان عرفت بان مهمتهم هو التحقيق عن اسباب وظروف قتل تلك الدروع البشرية الأوروبية في اسرائيل، وتضييقها الخناق على مهام مراسلين بلا حدود الذين يتواجدون فيها لتغطية انباء الانتفاضة. وعليه فقد تنوعت الوسائل التي مارستها كل من القوات الامريكية والاسرائيلية ضد الصحفيين وكان الهدف دائما هو مصادرة اراء الآخرين في نقل احداث ما يرتكب على ارضي العراقوفلسطين تارة بالطرد واخرى بالتهديد وثالثة بقصف مناطق قرب المواقع الاعلامية وصولا الى اكثر الطرق دموية بالقصف المباشر للمكاتب الاعلامية لمحطات التلفزة غير الامريكية، ومكاتب وكالات الانباء العالمية. فمع بدايات الأيام الاولى للحرب اعلنت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) ان الجيش الامريكي قد قرر طرد الصحفي الامريكي المخضرم (جيرالد ريفيرا) مراسل شبكة (Fox News) في العراق وذلك بدعوى افشائه ما وصف بانه (اسرار عن وضع وتحرك القوات الامريكية التي يرافقها) وهو ما حاول المراسل نفيه لاحقا. وفي الاطار ذاته قامت شبكة (NBC) التليفزيونية الامريكية بانهاء علاقتها مع مراسلها الشهير (بيتر أرنيت) وكانت الحجة هي تصريحه للتليفزيون العراقي بان (خطة الحرب الامريكية ضد العراق قد فشلت) والذي ما كان له ان يحدث لولا ضغوط امريكية مورست على الشبكة، كما قامت قبل ذلك القوات الامريكية بطرد مراسل صحيفة كريستيان ساينس (مونيتور فل سموكر) من جنوبيالعراق بسبب الادعاء بانه (قد عرض للخطر وحدة عسكرية امريكية عبر تقرير كتبه بتفصيل دقيق عن وضع القوات الامريكية في جنوبالعراق) لذلك فلا غرو ان وجدنا اتحاد الاذاعات الاوروبية وهو رابطة تضم الاذاعات الحكومية والتجارية ويشمل هيئة الاذاعة البريطانية BBC ومحطة CNN الاخبارية والقناة الايطالية والفرنسية والالمانية يوجه انتقادا حادا للقوات الانجلو امريكية في العراق بعرقلة عمل المراسلين غير الملحقين بوحدات عسكرية وخاصة الصحفيين من الدول التي لم تؤيد الغزو الذين يحاولون تغطية الحرب في العراق وتضع قيودا لعملهم مما اعتبره الامين العام للاتحاد (جان سنوك) منعا لعمليات (جمع الانباء بشكل مستقل من جنوبيالعراق). ثم كانت الطامة الكبرى عندما استهدفت القوات الامريكية فندق فلسطين ميريديان الذي يتخذه الاعلاميون في بغداد مقرا لهم مما اسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المراسلين والمصورين، وكانت الحجة الامريكية تارة بالتهرب كما وردت علي لسان (قنسنت بروكس) المتحدث باسم القوات الامريكية في قاعدة السيلية الامريكية قرب العاصمة القطرية الدوحة بان (الحادث رهن التحقيق)، وتارة اخرى بالمكابرة حينما يؤكد (اننا نقصف المواقع بدقة ولا نعرف سوى اماكن الصحفيين الذين يرافقون قواتنا). انها صور تكاد تكون (نسخا متشابهة) لسلوكيات تؤكد حقيقة ان المثل الذي عنونا به مقالتنا (اذا عرف السبب بطل العجب) لم يكن ليأتي من فراغ. دمتم وعلى الحب نلتقي..