بالأمس القريب غاب عنا صالح العزاز الأخ والصديق والانسان بكل ما تعني هذه الكلمات وودع هذه الحياة الدنيا وكلنا كمد وحزن على فراقه، فعزائي اولا لعائلته وذويه وعزائي لنا جميعا ولأصدقائه ومحبيه وهم كثر. كان آخر لقاء لي مع الاخ صالح - رحمه الله - في الاحساء عندما التقيت معه على عشاء عند صديق مشترك هو الاستاذ عبدالعزيز العفالق وفي اليوم التالي شرفني بزيارة لي في منزلي وتناول طعام الغداء معي بحضور اخي الاكبر عثمان، اهدانا رحمه الله خلال هذه الزيارة كتابه (المستحيل الأزرق) وكان يتحدث وقتها عن فكرة اقامة معرض للصور يتزامن مع افتتاح فندق الانتركونتننتال في الاحساء قال لي سأسافر لامريكا قريبا وبعد العودة ان شاء الله سأزورك وسأحتاج الى مشورتك في اعداد ذلك المعرض. ودعته حيث كان مستعجلا ليلحق بموعد في الدمام، كانت كلمات التوديع الصادرة منه قمة في اللطف (أرجو ان أراك قريبا)، (لا تحرمنا من رؤيتك اذا زرت الرياض) كانت كلها كلمات توحي بنقاء السريرة وحسن الخلق والذات وكأنه يودعني ولديه إحساس بأننا لن نلتقي مرة اخرى، قال لي اخي بعد مغادرة صالح: هل لاحظت شيئا على صديقك؟ قلت ماذا؟ قال: انه يبدو حزينا او هكذا أظن. قلت: انك لا تعرف صالح انه كتلة عظيمة من المشاعر الانسانية النقية، صرخة الطفل الخائف او الجائع تحزن صالح، وما يجري في عالمنا العربي من مآس تحزن صالح، ما يجري لاطفال فلسطين يبكي صالح، كل المآسي التي يموج بها عالم اليوم تدمي قلب صالح. هكذا يفكر، يفكر بحجم الكون الذي يعيش فيه، أفقه واسع وكذلك خياله، قلبه كبير وكذلك امله، حبه لأهله ووطنه لاحدود له. كان رحمه الله يمارس ويؤمن بالحكمة القائلة (عش في الحياة كعابر سبيل يترك وراءه اثرا جميلا وعش مع الناس كمحتاج يتواضع لهم، وكمستغن يحسن اليهم، وكمسؤول يدافع عنهم، وكطبيب يشفق عليهم، ولا تعش معهم كذئب يأكل من لحومهم، وكثعلب يمكر بعقولهم، وكلص ينتظر غفلتهم، فان حياتك من حياتهم، وبقاءك ببقائهم، ودوام ذكرك بعد موتك من ثنائهم). بطبيعة الحال علمت لاحقا عن مرضه - رحمه الله - وكنت معه على اتصال خلال تواجده في امريكا للعلاج واذكر مرة انني في إحدى المكالمات قلت له طمني يا أبا شيهانة كيف تسير الأمور؟ قال لي الحمدلله على كل حال يبدو ان الله عز وجل قد أمهل في عمري وأنا تحت مشيئته ولكن يا ابا خالد ان فيني شوق لأهلي ولبلدي ولاصدقائي سيقتلني قبل المرض. كان يفاجئني في كل مكالمة هاتفية بشجاعته وبإيمانه ويظهر لي بدور المواسي وليس المريض الذي يواسى، كانت عباراته مليئة بالأمل والايمان ولا يغفل عن لطفه الجم ومداعباته لأصدقائه حتى وهو تحت وطأة المرض. وبعد عودته الى الرياض حاولت زيارته في يوم الخامس والعشرين من رمضان والتقيت بأخيه العزيز عزاز والذي اقابله لأول مرة وسألته عن صالح فأعطاني الانطباع بأن حالته الصحية لا تسمح بزيارته في الوقت الراهن فجلست مع عزاز لبعض الوقت اسأله عن حال الأخ صالح وتطورات مرضه وقبل مغادرتي رأيت سجلا مليئا بالعبارات والكلمات الصادقة التي تتمنى لصالح الشفاء فقال لي عزاز اذا أردت ان تكتب شيئا فسيراه بإذن الله صالح اذا أفاق واسترد صحته، كتبت عبارات لم استطع ان أكملها، وأظن ان صالحا لم يسعفه الأجل لقراءتها. رحمك الله يا أبا شيهانة، نم قرير العين فالكل يدعو لك والناس تحبك كما أحببتها وهم كما تعلم شهود الله في أرضه وقد قدمت على كريم رحيم أما أنت يا عبدالله واخواتك فبعد عزائي لكم جميعا اقول انه يحق لكم ان تفخروا بأب مثل صالح علمكم ورباكم احسن تعليم وتربية وترك لكم بعده سمعته وذكراه الطيبة ومحبة الناس الذين عرفوه فاقتبسوا رعاكم الله منه محبة الناس وحسن وكرم الخلق الذي اكسبه مودة الناس وأودعه قلوبهم.