(أعطنى اتساعا) وأعطاها الاتساع بطول الأرض وعرضها .. وبكل احلام اهلها فانطلقت تعدو في كل المسارات والاتجاهات وفقدت البوصلة لتي تحدد له الطريق الصحيح .. عبر امواج المحيط .. واختفت كل الموانئ الآمنة وضاعت كل الموانئ وما عاد هناك ثمة مرسى ترسو بأثقالها وهمومها وآلامها اليه , لقد اختارت البحر العميق الذي لا يرحم لتغرق فيه لأنه أكثر اتساعا !! ولكنه اكثر هولا وعذابا .. ولن تلبث طويلا حتى أدركت انه ليس بمقدروها السباحة في هذا اليم وما عاد لها مساعدولا مجداف وارهبها الحوت الذي يأكل صغاره والموج الذي يعلو ويهبط .. ولا يحد من سطوته وجبروته احد .. وقذفها الموج الى شاطئ مهجور وحاولت ان تعيش لوحدها فلم تستطع أن تنام بأمان لم تستطع. ومزقها القلق والتعب والضياع .. فعادت اليه ولكن كانت بنصف وجه .. ونصف لسان . ونصف عقل ... لقد تآكلت تماما وأصبحت حقا مشاعا لكل النسور والطيور والوحوش (الضارية) التي أكلت لحمها وتركتها عظما وجلدا محروقا وباهتا , وتطلع اليها بأسى وقال: ماذا رأيت في اتساع الدنيا وجنون أهلها ؟ وهل استطعت التعايش مع ثعابين الأرض وحشراتها؟ قالت وقد تغير لون عينيها ووجنتيها: حاولت ولم استطع وسلكت كل السبل ولم أوفق وترصدني في البحر السمك وفي اليابسة الوحوش وفي السماء الطيور الكاسرة وها أنا اعود اليك. قال: ولكن فات الآوان. قالت: ألم تعد تحبني ..انهم يقولون أن الحب مثل الشمس يظهر ويختفي ثم يعود من جديد. قال: ولكن الشمس تحرق بأشعتها رموشنا .. وجلودنا وما عاد بي حيل لكل هذا الحريق. وتطلعت الى عينيه ولم تصدق أنه لا زال يرى الشمس تشرق كل صباح .. ولا أزيد.