قلت لكِ نوَّارة: إنّ معينكِ لا ينضب أبداً، فبحرك بامتداد الكون في جوفي.. ومرافئكِ فنارات كلّما استوحش الإبحار، ووقب المدُّ لوَّحَتْ بأنوارها.. والوقتُ يا نوَّارة قد ادلهمَّ ليله على البشريةِ..، وهبط ظلامه..., وصوت الماء مع الهواء يصطخب في بحورهم.., وهمهمات صاهبة تفضي بعراك الحوت.., وصراع التماسيح.., وغضب القروش..، والسفينة يا نوَّارة تتمايل بها.., والموج بها يضطرب..!! لوحةٌ كُنتِ قد قصصتِ عليَّ توقُّعاتها.., حين كنتِ توغلين النظر في الذي هو آتٍ..، والناس يتهافتون على غُثاء.. ثمة صدق في رؤيتك، وواقع في تحليلك.., ومثول حل بكلِّ تفاصيله، وأكثر.. ذلك المرسى الذي بنيِته مشيَّدا لا يزال.., يدكُّ الموج دكاً.. وتلك المؤونة من غراس الشجر على حوافِّه, قد نافت أسواراً تصدُّ المدَّ صدّاً.. وتلك الأسفار التي بصمتِها بحكمكِ نُحتت كلماتها، فبقيت ساريات ٍ, وبوصلاتٍ تشعُّ وهجاً، ونوراً.. أطمئنكِ نوَّارة أنّ الوقت في غياهب الوقبِ، له الصبح تشعُّ به مرافئك..! تشيع سلامه فناراتكِ، تدلّ به بوصلاتكِ، وزخَّات غيمك، وأبخرة بحرك، وشمس حضوركِ.. أنتِ مُشاعة لنبض الإنسان، هواءً في فضائه.., ما استنشق يقينكِ.. دواماً في طريقه ما استفاق عزمه..، صوتاً في ضميره ما تحرك حسّه.., طَرْقاً على أقفاله ما قصد ثغور أبوابه.. لله درُّكِ، في كلِّ البيوت نبع من مدّكِ.. في كلِّ الدروب إشارة مرور لعابريها منكِ.., وحين يصطخب البحر بساكنيه..، وتضطرب الفلكُ بنازليها..., تكونين البشارة بوميض الفجر.., بهبوب العليل من نسائم الضوء.. ربما تحتاجين لمن يقرأ رموزكِ.., ويوظِّف دلالتكِ..، لكن ليس الآن، فوحوش البحر تتسيّد عنفوان الظلام.. تتسيّد يا نوَّارة.. والقوارب الصغيرة يضفها الموج في عنفوان.. والأسماك الصغيرة تغرق تغرق يا نوَّارة.. قلتِ لي، لن تغيبي.. وأوفيتِ وقلتُ لكِ: ستبقين روح الحرف، ودم الكلمة، ومشاعر القول، وعقل المعنى.. وصدقتُكِ.. فمدِّي بدفَّتيكِ لأهبهما للإنسان الموغل في بحر الحياة المظلم.. وامنحينا بياضَ صباحٍ... لكِ هاطل من الدعاء، رحمكِ الله في جنَّاته..، وجافى الأرض عن جنبيك نوَّارتي، وأمي... عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855