قبل أكثر من خمسة عشر عاماً كنت ممن كتب عن الأحياء العشوائية ومركز المدن التي تحولت للأسف الشديد إلى ما يشبه المستوطنات لجنسيات آسيوية وإفريقية معروفة، حتى أن المواطن يشعر بالفوضى حينما يتوجه إلى هذه الأحياء والمحلات البعيدة عن الرقابة. عاجلاً أو آجلاً لابد من وضع خطة وطنية لمعالجة هذه التجمعات المضطربة التي تفتقر للترابط الاجتماعي والانتماء الوطني وتتوارى قليلاً عن واجهة اهتمامات الجهات الأمنية، وتمثل كارثة بمعنى الكلمة تحتاج إلى مواجهة تفوق البعد الأمني لمحاصرة هذه الظاهرة من خلال الاستعانة بخبراء في مجال تخطيط المدن والتمدد الإستراتيجي الحضري.القضية في هذه المناطق المزدحمة التي لا تخلو مدينة سعودية منها - إلا ما رحم ربي - تتعدى الجهود الحالية لتصحيح سوق العمل، وتفوق قضية تأمين فرص عمل إضافية للمواطنين كما يأمل البعض - ولست منهم - بقدر ما هي قضية أمن وثقافة وطنية. حادثة الشغب التي قام بها أثيوبيون في منفوحة احتجاجاً على حملات التصحيح وما أسفرت عنه من ضحايا وإصابات لم تكن مفاجئة لسبب بسيط وهو أن حملات التفتيش لمثل هذه الأحياء أشبه بادخال إصبعك في (عش الدبابير)، ومع هذا فإن فاتورة إبقاء هذه الأحياء كما هي أكبر بكثير من استمرار حملات مطاردة مخالفي نظام الإقامة والاستمرار في جهود إعادة إصلاح مثل هذه الأحياء. وعاجلاً أو آجلاً لابد من وضع خطة وطنية لمعالجة هذه التجمعات المضطربة التي تفتقر للترابط الاجتماعي والانتماء الوطني وتتوارى قليلاً عن واجهة اهتمامات الجهات الأمنية، وتمثل كارثة بمعنى الكلمة تحتاج إلى مواجهة تفوق البعد الأمني لمحاصرة هذه الظاهرة من خلال الاستعانة بخبراء في مجال تخطيط المدن والتمدد الإستراتيجي الحضري. (ربما تحتاج المدن السعودية للاستعانة بالخبرات العالمية لدراسة أفضل الطرق لإعادة البريق لمراكز المدن والأحياء العشوائية وتنفيذ الضواحي، على غرار ما تقوم به الدول المتقدمة للحفاظ على هوية المدينة من جهة، وعلاج الازدحامات، وتجنب وجود بؤر تهدد الأمن أو نسيج المجتمع). وبذات القدر نحن أمام ثقافة مستوردة تخمرت في هذه الأحياء، لتصدر مختلف المخالفات السلوكية والأخلاقية والجرائم في ضوء ضعف التعليم والتنشئة الأخلاقية والافتقار للعائلة السائد في أوساط العمالة. وكل هذه العوامل تنصهر مع طبيعة الأحياء العشوائية بما تشتمل عليه من شوارع خلفية ضيقة وازدحام وخلل في التركيبة الديموغرافية والاجتماعية. الكل يعلم بأن أغلبية حوادث الغش التجاري وترويج الخمور المصنعة محلياً وإقامة مخالفي نظام الإقامة ومحولي المليارات مجهولة المصدر إلى الخارج، هي جزء من إفرازات هذه الحالة التي تم السكوت عنها وتجاهلها تماماً فترة غير قصيرة من الزمن رغم استمرار الحوادث والقضايا والمؤشرات السلبية. القضية لا تتعلق بأثيوبيين ولا بحي منفوحة، لكنها حالة من الفوضى تحتاج إلى تصدي واستباق ليس فقط من جانب وزارة العمل والأمن، وإنما من خلال دراسة تطوير المدن وإعادة التوازن الغائب لهذه الأحياء. ولعل الإجراءات الأخيرة التي قامت بها وزارة العمل رغم ما حملت من مخاطرة بالسوق وقلب موازينه وبالنمو الاقتصادي الذي رغم العوائد النفطية القياسية لم يحقق إلا معدل نمو بسيط جداً. إلا أن ترحيل مليون عامل إلى اليوم وربما ارتفاع هذا العدد إلى الضعف خلال عام واحد مع استمرار حملات ما بعد التصحيح، إلا أنها ستكون فرصة حقيقية لابد من استثمارها في وضع سياسات جديدة فعالة لإعادة التخطيط لإصلاح الأحياء ومراكز المدن واستحداث الضواحي وفق معايير هندسية حديثة تعزز أمن واستقرار المجتمع. شيء رائع أن تقوم الجوازات والجهات الأمنية الأخرى بالتنسيق مع وزارة العمل لتنفيذ مهمتها، لكن أين الوزارات المحورية الأخرى وعلى رأسها وزارة الشؤون البلدية والقروية فيما يخص إعادة النظر في هذه الأحياء ووكالة الثقافة لدراسة تأثيرات هذه الظاهرة والتحرك حولها؟ وأين وزارة الحج التي تدفع ثمنا باهظا جراء تخلف الحجاج والحجاج غير النظاميين؟ وأين وزارة الشؤون الاجتماعية التي لابد أن يكون لها دور في التصدي لهذا الخلل؟ وغيرهم كثير. أتمنى أن نشهد تحركاً جماعياً من مختلف الجهات لوضع حلول عملية لهذه القضية من كافة أبعادها، وألا ننتظر حادثة أخرى لتذكرنا بأن هذه قنبلة موقوتة.. تحياتي. تويتر @mesharyafaliq