بعد مرور حوالي شهر من الهدوء النسبي في الاراضي الفلسطينية جاءت العملية التفجيرية التي وقعت في شمال اسرائيل يوم الاثنين الفائت لتعيد دورة العنف والعنف المضاد بين الفلسطينيين واسرائيل الى دائرة الضوء من جديد، وقد صادف وقوعها جولة المبعوث الأمريكي الى المنطقة وهو يحمل في حقيبته مشروع (خارطة الطريق) لطرح تفاصيله وجزئياته مع الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي ويقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل, كما ان العملية التفجيرية جاءت متزامنة ايضا مع احتكاكات ومواجهات بين حكومة شارون والمستوطنين المتطرفين بما رفع من درجة سخونة الأوضاع وغليانها في الأراضي الفلسطينية المحتلة, ولا يختلف اثنان على ان دورة العنف والعنف المضاد تمثل وسيلة لإجهاض اي عمل دبلوماسي قد يؤدي الى تسوية النزاع القائم بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، كما لا يختلفان ايضا بنظرة مجردة الى الاوضاع القائمة ان اسرائيل لا تسعى على الاطلاق لتهدئة موجة العنف على الأرض، فالتهدئة بين الطرفين سوف تؤدي لا محالة الى الشروع في حل الخلافات القائمة بينهما، وهذا ما لا تريده اسرائيل الساعية دائما لتفجير الأوضاع وتعقيدها، فالعملية التفجيرية الأخيرة سوف تؤدي الى ردة فعل عسكرية اسرائيلية كما جرت العادة في اعقاب كل عملية فدائية، وهذا يعني ان اسرائيل لا تملك مفتاحا سياسيا واحدا لاستخدامه تمهيدا للوصول الى تسوية عقلانية، وانما تملك مزيدا من العدوان المسلح على الفلسطينيين، وهو عدوان مازال يؤجج الموقف ويطيل امد الحل بين الطرفين، وليس من شك استنادا الى واقع الحال المشهود في ان التهدئة لابد ان تمارس من الجانب الاسرائيلي اولا وأخيرا حتى تتاح الفرصة لأي عمل دبلوماسي قد يؤدي الى تسوية، فالجزء الأكبر من التهدئة المطلوبة للاوضاع المتفجرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة يقع على اسرائيل، فلا يمكن لعاقل ان يتصور ان تمر المذابح والمجازر التي يرتكبها شارون كالتي وقعت قبل ايام في رفح دون ردة فعل فلسطينية مناسبة عليها, فوقف العنف الدائر حاليا لا يمكن ان يتحقق الا بلجوء اسرائيل الى صوت العقل والتوقف عن العدوان والرضوخ الى معطيات السلام ومستلزماته من خلال الاحتكام الى عمل سياسي لا عسكري.