تأتي عملية صفد شمال اسرائيل يوم أمس الأول، وقد أوقعت تسعة قتلى وخمسين جريحا كرد آخر بعد عملية الجامعة لكتائب عز الدين القسام انتقاما من اغتيال قائدها في قطاع غزة، وقد نفذت عشية اجتماع شارون بأعضاء حكومته لتؤكد له ولهم أن دماء الفلسطينيين التي تهدرها اسرائيل في عملياتها الغوغائية البربرية لن تذهب هدرا، وأن كل عملية عدوانية تنفذها حكومة شارون سوف تجابه بردود فعل مناسبة، وهذا ما يحاول رئيس وزراء اسرائيل جهله او تجاهله، رغم ما تخلفه عمليات العدوان والردود عليها من قتلى وجرحى من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وهذا ما يريده شارون بسياسته الدموية القائمة على مواصلة العدوان على شعب أعزل مازال يبحث عن حريته واستقلاله، فصحيح أن العمليات الفدائية الفلسطينية قد تخدش ما قد تتخذه الجمعية العامة للأمم المتحدة من قرارات ذات شأن بقضية فلسطين كما هو الحال مع عملية صفد الأخيرة التي وقعت عشية جلسة الجمعية العامة لمناقشة تقرير جنين، وصحيح أن العملية ذاتها قد ألقت بظلالها على اللقاء المرتقب بين وفد فلسطيني ووزير الخارجية الأمريكي، وصحيح أيضا أن العملية قد تؤدي الى ارجاء اللقاء المرتقب بين شارون ووزيري الداخلية والمالية الفلسطينيين ، غير أن هذه الافرازات المؤثرة على مستقبل العمل السلمي على أهم مسار من مساراته تجيء انعكاسا لتطرف شارون وصلفه وركوب رأسه، ويخطىء في تقدير حساباته من جديد ان ظن أن عملياته العسكرية الحالية ضد عائلات الناشطين والاستشهاديين شمال الضفة الغربية قد تؤدي الى اسكات الانتفاضة الفلسطينية ، فالعكس هو الصحيح تماما، فمن شأن هذه العمليات أن تؤجج أولئك الناشطين وتدفعهم لمزيد من العمليات الانتقامية، وليس من سبيل للخروج من دائرة العنف في أراضي السلطة الفلسطينية الا الامتثال للشرعية الدولية والقرارات الأممية الملزمة والمبادرات السلمية وعلى رأسها المبادرة العربية الجماعية التي تمخضت عن قمة بيروت الدورية الأخيرة، وكذلك الالتزام بمرجعية مدريد ومقايضة الأرض بالسلام، وهذا ما يرفضه شارون جملة وتفصيلا كرفضه العودة الى التفاوض مع الفلسطينيين، ومن شأن هذه السياسة المتطرفة ان تزيد الأمر تعقيدا وتطيل من أمد العنف بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، ومن شأنها ايضا ان تبدد فرص السلام السانحة وأن تضع المنطقة بأسرها فوق صفيح ساخن قابل للانفجار في كل اللحظات.