برغم ما للنقد، بمعناه الشامل، من أهمية يدركها الجميع، إلا أنه لم يعدم على مرّ العصور من يشكك في جدواه، ويتساءل عن مدى الحاجة إليه. وغني عن القول إن النقاد أنفسهم قد تعرضوا وما يزالون لقدر غير قليل من النقد واللوم وربما التقريع؛ بسبب عدم مواكبتهم للحركة الإبداعية أو لانصرافهم بشكل يكاد يكون كلياً للدراسات الثقافية، أو ما بات يعرف بالنقد الثقافي. ورغم كل ما قيل ويقال عنهم، إلا أن النقاد يتمتعون بنوع من السلطة المعرفية التي يمارسونها على المبدعين والقراء عموماً، سواء أكان ذلك بوعي منهم أو بدونه، وذلك لأنهم يمتلكون الأدوات والعدة المعرفية التي تمكنهم من إبداء آرائهم حول الأعمال المختلفة، وتحليلها وتقييمها، فضلاً عن توفرهم على أو تمكنهم من إيصال آرائهم وتحليلاتهم وتقييماتهم تلك عبر منابر إعلامية متعددة الأوجه، ومختلفة الأشكال. أصبح بإمكان القارئ العادي الذي لا تزين صدره شارة الناقد الآن أن يكتب مراجعته لكتاب حديث الصدور، أو فيلم عرض للتو في صالات السينما، أو اسطوانة طرحت للتو في الأسواق غير أن هذه السلطة فيما يبدو قد أخذت تتضاءل وتضمحل شيئاً فشيئاً في الآونة الأخيرة، في ظل ما أتاحته مواقع الإنترنت بكافة أشكالها من مساحات تعبيرية هائلة لكل من شاء الكتابة والتعبير عن رأيه حول أي عمل من الأعمال. هذا ما أشارت إليه دراسة نشرت مؤخراً في إحدى الدوريات الأجنبية، حيث أشارت إلى تراجع وتضاؤل دور النقاد «الرسميين» الذين طالما تربعوا على عرش القنوات والمطبوعات العامة أو تلك المتخصصة في فن أو شكل كتابي أو مرئي أو مسموع. ومن المعروف أن مفهوم الناقد هناك ليس مقتصراً على النقاد الأكاديميين المتخصصين، بل إنه يطلق أيضاً على من يقومون بكتابة مراجعات للأشكال الثقافية المختلفة التي يستهلكها الجمهور كالكتب والأفلام السينمائية والأسطوانات الموسيقية والمسرحيات وغيرها. لقد أصبح بإمكان القارئ العادي الذي لا تزين صدره شارة الناقد الآن أن يكتب مراجعته لكتاب حديث الصدور، أو فيلم عرض للتو في صالات السينما، أو اسطوانة طرحت للتو في الأسواق، ولا يقل مستوى كثير من تلك المراجعات عن كثير مما ينشره النقاد المكرسون، إن لم يكن بعضها أكثر عمقاً وأبعد غوراً وأجمل طرحاً. شخصياً، كثيراً ما أحرص، حين أريد أن أقرأ عن كتاب أو فيلم جديد ما، على قراءة ما كتبه القراء العاديون «المجهولون» عنه أكثر من حرصي على قراءة ما قاله النقاد المكرسون عنه.