شدد الشيخ كرم زهدي رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية السابق على ان السلمية في العمل السياسي في بعض الأحيان تكون أقوى من الرصاص، وأن على جماعة الإخوان الابتعاد عن العنف المرتكب في الشارع المصري، والتبرؤ منه والدعوة إلى العمل السلمي. مشيرًا إلى الحاجة لبرامج نوعية تهتم بحل مشاكل المواطن المصري المتراكمة منذ عشرات السنين. وقال زهدي: علاقتنا كإسلاميين بالمواطن المصري يجب أن تتجاوز حالة الوعظ والإرشاد وفقط إلى مرحلة التعاطي بإيجابية مع مشاكله ووضع الحلول لها. واعترف زهدي، بخطأه في المشاركة بالرأي في جريمة قتل الرئيس الراحل أنور السادات، وقال إنه يحتسبه عند الله من الشهداء، مشيرًا إلى أنه بات يؤمن بالوسطية ونبذ العنف، وتجريم كل من يرفع السلاح في وجه المواطنين. (اليوم) التقت الشيخ كرم زهدي، وكان هذا الحوار: نصيحة للإخوان فى البداية ماذا ينصح الشيخ كرم زهدى جماعة الإخوان المسلمين؟ -انصحهم بالحوار الهادئ الصادق الذي يجمع القلوب ولا يفرقها والبعد عن الشجار والتنافس وتعظيم الذات. وأحذر الجميع من العنف الذي سيقضي على الأخضر واليابس، وأطالب الجميع بضرورة أن تكون مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وان نسعى جاهدين إلى تحقيق مصالحة حقيقية. وأن على جماعة الإخوان الابتعاد عن العنف المرتكب في الشارع المصري والتبرؤ منه والدعوة إلى العمل السلمي وأن بعض قيادات الإخوان بدأت تعود إلى الحق وتعرض الاعتذار للشعب مثل صلاح سلطان وغيره عن خطئهم في حق المجتمع. موقف الأزهر من الأحداث الجارية -الأزهر الشريف نجح بما لم ينجح فيه أحد، بدرء الفتنة داخليًا واستعادة دوره باعتباره له مكانة عالية فى مصر وخارجها. والأزهر هو مدرسة ومنهج الوسطية التي نسعى إليها. ونطالب الجميع أن يتمسكوا بالوسطية التي نادى بها الأزهر الشريف وإمامه الأكبر الدكتور أحمد الطيب. ما السبيل للخروج من الأزمة؟ -السبيل للخروج من هذه الأزمة في موقف النبي -صلي الله عليه وسلم- حين مر بجوار الكعبة فوجد الناس يتنازعون أيهم يحمل الحجر الأسعد لينال هذا الشرف. فاقترح النبي -صلي الله عليه وسلم- أن يأتوا بثوب ويضعوا فوقه الحجر الأسود ثم أمر القبائل أن يتعاونوا في حمل هذا الثوب، ويضعوه في ركن الكعبة. وبذلك يكون الجميع قد شارك في حمل الحجر وقد نال الجميع هذا الشرف وتعاونوا في أداء المسئولية العظيمة، وهكذا يمكن أن نتعاون جميعًا في تحمل المسئولية العظمى وهي إدارة شئون البلاد بمشاركة الجميع دون تمييز لذوي القربي أو غيرهم. كيف ترى التعامل مع بعض القضايا الشائكة مثل موضوع مدنية الدولة؟ -أنا بالطبع مع الإسلام لأنه أشمل وأوسع في إدارة الأرض. ومع الدولة التي تشمل المسلم وغير المسلم كشركاء في الوطن لكن إذا لم نستطع أن نجعل الإسلام يدير الأرض فعلى الأقل أن نجعل نظامًا يدير الأرض بمن فيها المسلم وغير المسلم ويعطي الحرية للجميع. ولكن ألا تخشى على هوية الدولة؟ -هوية الدولة الإسلامية والعربية لن يستطيع أحد الاقتراب منها وخط الحماية لذلك هو الشعب المصري نفسه؛ فهو مسكون بحب الإسلام ولن يستطيع أحد فرض هويات غريبة عليه. وأظن أن كل القوى السياسية أدركت ذلك، فعلينا تجاوز هذه المرحلة إلى مرحلة البرامج. استقالة حدثنا عن أسباب استقالتك من الجماعة الإسلامية؟ -لقد بقيت لمدة 30 عامًا على رأس شورى الجماعة الإسلامية، وكنت أنوي الاستقالة وأنا في السجن، لكن قررت أن أستقيل بعد أن يخرج الإخوة من السجن؛ لأنهم دخلوه بسبب أفكار تبنيناها، وانتظرت حتى خرج آخر الإخوة من السجن بعد الثورة ما عدا المحكوم عليهم بالإعدام أو المؤبد. وكانت هناك روح لتغير القادة عمومًا، فتقدمنا بالاستقالة أنا والشيخ ناجح إبراهيم وفؤاد الدواليبي وعلي الشريف وحمدي عبدالرحمن. ولو تمت إقالتي كما يشاع لما استقال معي الإخوة الأربعة. كيف نشأت تأسيس الجماعة الإسلامية؟ -نشأت الجماعة الإسلامية في الجامعات المصرية في أوائل السبعينات على شكل جمعيات دينية إبان فترة ركود الحركة الإسلامية؛ لتقوم ببعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية البسيطة في محيط الطلاب. ومع ذلك فإنها كانت قليلة العدد ضعيفة المجهود في هذا الوقت الذي كانت تسيطر فيه الاتجاهات الماركسية والقومية الناصرية على الحياة الجامعية، وخصوصًا في جامعات القاهرة عين شمس الإسكندريةأسيوط. ونمت هذه الجماعة الدينية داخل الكليات واتسعت قاعدتها وتطور مفهومها ونظرتها للعمل الإسلامي، فاجتمع نفر من القائمين على هذا النشاط واتخذوا اسم: (الجماعة الإسلامية) ووضعوا لها بناء تنظيميًا يبدأ من داخل كل كلية من حيث وجود مجلس للشورى، على رأسه أمير وينتهي بمجلس شورى الجامعات، وعلى رأسه الأمير العام (أمير أمراء الجماعة الإسلامية) وفي أعقاب حرب رمضان 1393ه أكتوبر 1973م، اتخذ العمل الإسلامي داخل الجامعات المصرية بعدًا أوسع، واستطاعت الجماعة الإسلامية قيادة الحركة الطلابية والفوز بثقة الأغلبية الصامتة من جماهير الطلاب في انتخابات الاتحادات الطلابية، وذلك في كل الجامعات المصرية تقريبًا. ومن هنا زادت وتعددت أنشطة الجماعة الإسلامية الثقافية والتربوية من اللقاءات والندوات والمعسكرات. بل وزاد الاهتمام بحلول المشاكل الاجتماعية للطلاب وتعدى الأمر أسوار الجامعات فزاد الاهتمام بمشاكل المجتمع اليومية. ما حال الدعوة الآن.. وكيف ترى المشاركة القوية للإسلاميين في عالم السياسة؟ -أما عن حال الدعوة الآن، فهي تكاد تكون متوقفة حتى إشعار آخر، وتفسير ذلك يعود إلى الوقوف على طبيعة الواقع الذى نحياه جميعًا بعد الثورة، فطبيعة المرحلة أثرت فى كل شيء. وليس الدعاة وخطباء المساجد فقط هم من استهوتهم السياسة وصراعاتها الحامية وألاعيبها وأحاديثها المثيرة.. إنما أضحت ظاهرة مجتمعية. والدعاة إلى الله كانوا أولى الناس بعدم الوقوع فى هذا الفخ. وتنبيه الناس وتوعيتهم.. فالسياسة نتعاطاها بحذر.. فهى مثل الدواء الذى يصلح للبعض ولا يصلح للآخرين.. وربما إذا تجرعها البعض تسببت فى هلاكه وحرقه وخسارته لكل شيء.. وهذا أمر شاهدناه وتابعناه جميعًا فى أكثر من نموذج. الرؤية الشرعية ماذا عن المراجعات التي قامت بها وقادتها الجماعة الإسلامية؟ -المراجعات هى أهم وأفضل القرارات التى اتخذتها الجماعة الإسلامية فى مطلع هذا القرن؛ لأنها رجعة إلى الله تعالى بالرؤية الشرعية السليمة والنظرة الواقعية المتوازنة، وهي تصحيح للمفاهيم وإثبات لصدق النوايا فيما قامت به الجماعة من أحداث. فعندما تبين لنا الخطأ فى أي مسألة شرعية تراجعنا عنه، وأعلنا ذلك على الجميع بكل شجاعة وشفافية. ونتمنى أن تنتهج جميع التيارات والانتماءات الفكرية هذا النهج الحيوى البناء التقدمى من نقد الذات والمراجعة الدائمة وتصحيح الأخطاء حتى تصب جميع الجهود فى المسار الصحيح وفى مصلحة الوطن والأمة. منظومة متكاملة تعليقك على تحول سيناء إلى معقل لتنظيم القاعدة والجهاديين؟ -قضية سيناء تحتاج إلي منظومة متكاملة من الحلول الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. كما تحتاج إلى العلم الشرعي الرصين. وذلك لأن الدعوة المبنية على أساس غير علمي شرعي صحيح، وعقيدة وسطية لا تؤتي أكلها ولا تثمر غرسها. والواقع أنها قشور علمية يعتمد عليها البسطاء في الدعوة، يفجر عند الشباب المخلص ثورة على كل الأخطاء الموجودة ليصورها علي أنها من الكفر والشرك والخروج من الملة، ومن ثم تتحول المنطقة إلى مقاتلة بين هذه المجموعات وبين الجيش والشرطة وأهالي المنطقة أحيانًا. والحل في ذلك هو انتقال عدد من العلماء إلى هذه المناطق للإشراف على الدعوة الصحيحة الوسطية وتصحيح المفاهيم أولًا لدي القائمين علي أمر الدعوة في المنطقة ثم بعد ذلك لدي الشباب ثم يتم تعضيد هذا الحل بتسكين عدد كبير من شباب الأمة وتمليكهم أراضي زراعية وسكنية لتحويل المنطقة الى منطقة حياة خاصة أنها من ناحية الأمن القومي تعد بوابة شرقية لمصر تحتاج الى سياسة خاصة في إدارتها بالحكمة والرأي السديد. الحكم الشرعى هل خرجت الجماعات الإسلامية خاصة الجهادية عن المراجعات الفقهية ومبادرات نبذ العنف التي أقرتها في السجون؟ -المراجعات أمر شرعي، يعني الوصول إلى الحق في مسائل عديدة انتهجناها وقلنا بها من قبل، ولما تبين لنا وجه الحق فيها سارعنا بمراجعة هذه القضايا حتى أعلنا وجه الحق والصواب فيه، ووسطية وعدالة الحكم الشرعي الراجح فيها. فمن أخذ بها وعلمها للشباب حتي لا يقعوا فيما وقعنا فيه فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها والله سميع عليم ومن تراجع عنها وعاد إلى سيرته الأولى فأمره إلي الله ولن يضر إلا نفسه. عمل وفتوى ما رأيك في تخوف البعض من أن تعود الجماعة لاستخدام العنف؟ -أحمد الله أن قوة المراجعات الشرعية المستندة إلى الصحيح من الكتاب والسنة هي الضمانات الأصيلة لعدم عودة الجماعة إلى العنف؛ لأن الدليل القوي استنبطناه من علماء السلف الذين كانوا يحبون المراجعة في كل عمل وفتوى فمن الخطأ أن يزل العالم لأن بزلته يزل عالم. لكن هناك بعض أعضاء الجماعة الإسلامية يؤكدون على أنهم ما زالوا على إيمانهم بالعنف. بالفعل هذا صحيح بعض الإخوة يتبنون هذا الفكر ولكن الدليل الصحيح من الكتاب والسنة دليل أقوى من قوة الغضب التي تكون لدى البعض، أو محاولة العلو بالتشدد، ولغة التشدد عند الناس هي الأعلى. فلو وقف أحد وسب رئيس الجمهورية يصبح الأقوى ولو وقف آخر وتكلم الكلام المنطقي المعتدل وما إلى ذلك فلن يسمع له أحد. نحن عندما أعلنا المراجعات بالتأكيد هناك من خالف نحن اتخذنا معهم الطريق الهادئ كنا نذهب إليهم داخل السجون حتى بعد خروجنا، ونتكلم معهم ونرد على استفساراتهم. كما ان السلمية في العمل السياسي في بعض الأحيان تكون أقوى من الرصاص. ولا بد من العودة إلى طريق الوئام والسلام ونبذ رفع السلاح على المواطنين لأنه لا يعود علينا إلا بمزيد من الدماء والقتلى وأن نعمل يد بيد لنعيد للأمة سلميتها ونبذ العنف وعدم حمل السلاح. ما رأيك فى انتشار الفكر التكفيرى داخل العمل السياسى؟ -هذه من الفتن الكبيرة وهي من أكبر المحن التي لحقت بالمسلمين والفكر الإسلامى وغياب الوسطية الإسلامية خطر كبير على مصر والحركة الإسلامية. لذلك نطالب بترشيد الخطاب السياسي بفصل الخطاب الدعوي عنه وترشيد حضور الدعاة في الميدان السياسي، وأن تكون الساحة لذوي الخبرة والمؤهلات والإمكانيات والتجارب الممتدة من الإسلاميين وغير الإسلاميين؛ لأن الطريق الأسهل هو استخدام الخطاب التكفيرى وتكفير وتفسيق الآخر المخالف إذا وجد أحدهم نفسه في موقف ضعيف سياسيًا. فالمخرج أمامه هو التكفير واتهام الآخر في دينه وعقيدته. وربما استخدم الإسلاميون هذا السلاح ضد بعضهم البعض باستخدام التأويلات المختلفة للمسألة الواحدة، ونتوقع حدوث ذلك لا قدر الله إذا سارت الأمور على هذا المنوال نحو الانحدار والانقسام والتشرذم. كما أدعو وأنصح شبابنا بالاهتمام بالعلوم الشرعية وتحصيل العلم الشرعي الصحيح من مصادره المعتبرة التي يطمئنون لها. وأهم الضمانات لعدم عودة التكفير وغيره إلى البلاد هي الارتقاء بالبلاد والاهتمام بالمناطق القصية البعيدة التي تفتقر للحد الأدنى من الخدمات. فالفقر بلاء شديد يولد الكفر والتكفير وأن تضمن الدولة المساواة والعدالة الاجتماعية والحرية للجميع. الأعمال الفنية باعتبارك مخرجًا مسرحيًا سابقًا... ما أهم الأعمال التى أخرجتها. وما سبب ابتعادك عن الإخراج؟ -قمت بإخراج عدد من المسرحيات الوطنية في بداية السبعينات وكانت مرحلة وطنية، وكان التعبير عبر المسرح والأعمال الفنية الوطنية. ومن أشهر الأعمال الفنية منها صوت مصر لألفريد فرج ومسرحية أخري لليساري المصري رشاد رشدي. لكن عندما حدثت مظاهرات 1971 بدأنا نشعر بالوجود اليساري والشيوعي المسيطر على الدولة، وبدأنا نسمع الكلام الملحد شديد القسوة فبدأنا نتعصب ونتشدد وعدد كبير منا بدأ يلتزم. وبدأ العلماء منهم يتكلمون ونحن نسمع وهذا الذي صنع التحول لدينا. لكن الشباب الآن أمره يختلف. اغتيال السادات هل أنت نادم على اغتيالك للرئيس الراحل أنور السادات؟ -صراحة انني أخطأت في آخر مشاركة بالرأي في قتل السادات، ونحن قلنا إننا موافقون على العملية كلها، حتى ان خالد الإسلامبولي (رحمه الله) قال: «أنا أعلم أني أول ما سأنزل سيضربونني بالمولتيكا وهي سلاح مثل ال (آر بي جي) وأني لن أستطيع ضرب رصاصة» وكنا فقط نريد توصيل رسالة للحاكم الذي يسب العلماء حتى لو كان الثمن دماءنا. وإن قتل السادات كان خطأ كبيرًا وأنا تحديدًا الذي أملك نفسي أدعو الله أن يغفر لي هذا الأمر وألا يعود إليه شباب المسلمين لا بقتل الحاكم ولا بقتل مسلم أو غير مسلم. والرئيس السادات يستحق الشكر واحتسبه عند الله أن يجعله من الشهداء.