لم تعد المعلمة هي الزوجة المطلوبة لدى الكثير من الشباب، الذين كانوا يرونها المفضلة بسبب ثقافتها ومستواها التعليمي وراتبها المغري أيضاً، فقد أصبحت كلمة معلمة مقترنة بالغربة، والعيش بعيدا عن الأهل والبحث عن واسطة تنقلها إلى مقر سكن أسرتها، وكثير من المعاناة، التي لم تحلها دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة المعارف، ولا حركة لم شمل، التي لم تحل مشكلة الأزواج الذين يعملوا مع زوجاتهم في سلك التعليم، فضلاً عن المعلمات اللواتي لا يعمل أزواجهن في سلك التعليم. وفي الأحساء تبدو المشكلة أكبر، بحكم كون المحافظة مكتفية كما يقول مسئولو التعليم بالمعلمات، ولا مجال لنقل المعلمات من بناتها اللواتي يدرسن في مناطق أخرى إليها. (الواحة) التقت عددا من المعلمات اللواتي يدرسن في مناطق أخرى خلال إجازة نهاية العام الدراسية، ومع قرب عودتهن إلى مقار عملهن، ليروين عددا من الحكايات المؤلمة عن عملهن وخيبتهن، وقد فضلن عدم ذكر أسمائهن الحقيقية أملاً في نقلهن، ولكي لا يعيق استطلاعنا الأمل في نقلهن. أم مع وقف التنفيذ معلمة اقتصاد منزلي، مضى على تعيينها قرابة 6 سنوات، يعمل زوجها في وزارة الداخلية، تقدمت بطلب نقل منذ 3 سنوات، وإلى الآن لم تنقل، تزداد معاناتها مع كل طفل تنجبه، فلقد اضطرت إلى ان تودع أطفالها لدى الخادمة، لأنها تخرج في ساعة مبكرة إلى القرية التي تعمل بها، تقول: يمر أحياناً شهر لا أرى زوجي، حتى ان الأطفال أصبحوا لا يعرفون والدهم وأنا أخاف عليهم التشتت، فأنا لا أعطيهم الحنان الكافي، حتى أنني أخاف ان يشعروا ان الخادمة هي أمهم، فالأم هي التي تربي وليست التي تلد. وتكشف هذه المعلمة ان خسائرها حتى المادية تفوق أرباحها، تقول: ما أنفقه على الإيجار والتنقل ومتطلبات الحياة اليومية يفوق الراتب الذي أحصل عليه.. وتضيف: إذا لم أحصل على نقل خلال عام فقد أترك الوظيفة، فأنا أعيش مع زوجي وأطفالي في بيت واحد خير لي من وظيفة لم ألق منها إلا الهم والغم والمتاعب. وتتساءل: هل على زوجي ان يكون معلماً لكي يلتئم شملنا؟ أليس من حق باقي الموظفين ان يعيشوا مع أسرهم في منزل واحد؟ وإذا حصل لي شيء فمن يعوضني عن زوجي وأطفالي؟ قررت عدم الإنجاب لم يكن قرار التعيين بعيداً عن مقر سكن أم عبدالعزيز مستبعداً، تقول: كان الأمر عادياً، فلم أكن حينها متزوجة، وكنت أعتقد ان النقل سيأتي في غضون سنة أو سنتين على الأكثر، ولكن لم أتوقع ان تمر كل هذه السنوات وأنا بعيدة عن الأحساء.. لقد عينت في إحدى القرى التي تبعد عن أقرب مدينة مسافة 85 كيلو متراً، فلم استطع السكن في القرية، التي لا تحوي أيا من مقومات العيش لمن اعتاد العيش في المدن أو القرى المتقدمة، لقد زادت معاناتي كثيراً بعد زواجي، لقد أصبحت علاقتي به فاترة، وزاد الأمر سوءاً حين أنجبت، فلقد اضطررت إلى جلب خادمة أبقي معها طفلي حين أذهب إلى المدرسة، لقد تركتها مع أمي لفترة فأصبح الأمر صعبا عليها، فهي كبيرة في السن وتحتاج إلى من يرعاها، حتى فكرت في عدم الإنجاب، فأنا لا أريد ان أكرر مأساة أبني مع أبناء آخرين، أسمعهم عبر الهاتف يقولون: أين أنت يا أمي؟ لا أستطيع ان أقول انني متزوجة، فأنا لا أرى زوجي إلا في الإجازات. وتبدي أم عبدالعزيز استغرابها من قول مسئولي التعليم ان الأحساء مكتفية بالمعلمات بينما هناك نقص حاد في معلمات مواد العلمي.. وتتساءل: لماذا لا ننقل نحن المعلمات من ذوات الخبرة في الأحساء لحل هذا النقص؟ ولماذا لا نعطى الأولوية في التعيين على وظائف معلمات محو الأمية؟ ولحين حل مشكلة المعلمات غير المنقولات تطالب أم عبدالعزيز بمنحهن خصومات خاصة على تذاكر الطيران وحل مشكلة سكنهن وتوفير وسائل نقل ملائمة لهن في تلك المناطق. قرين الأحساء.. وقرين القصيم ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها معلمة الإنجليزي لإقناع والدها بالموافقة على عملها في منطقة بعيدة عن الأحساء، إلا أنها تشعر اليوم بالندم على قبولها الوظيفة في مكان بعيد، تقول: أشعر أنني تورطت في العمل فكلما فكرت في تركه أقول قد أتركه ويأتي النقل بعد ذلك بقليل فأصبر، ولكن النقل لا يأتي أبداً، كما أنني أشعر بأنني يجب ان أعمل بعد كل السنوات التي درست فيها، لكنني اليوم أشعر بالغربة والألم والعذاب. في بداية الأمر قررت والدتها وأخوها الانتقال معها استجابة لشرط والدها، ولكن بعد فترة عادت الأم والأخ وبقيت لوحدها في تلك المنطقة النائية، فانتقلت للعيش مع بعض زميلاتها المعلمات منذ ومن الأحساء أيضاً. بعد عام من استلامها الوظيفة عقد قرانها على معلم، تقول: كنت أدرس في قرية القرين بالقصيم، وحين قال لي أنه يدرس أيضاً في القرين فرحت، ولكني أصبت بالخيبة، فلقد كان يدرس في قرين الأحساء وليس قرين القصيم. وبعد 3 سنوات من الزواج تؤكد أنها لم تشعر أنها تزوجت، فهما يبعدان عن بعضهما أكثر من 700 كيلو متر، ولا يريان بعضهما إلا مرتين في الشهر.. وتضيف: أظل أترقب حركة النقل متى تأتي، وحين تصدر وأنقب في الصحف بحثاً عن اسمي أصاب بالخيبة فهو ليس بينهم.. منذ عامين وأنا وزوجي نراجع الرئاسة العامة لتعليم البنات ومن ثم وزارة المعارف على أمل العثور على حل لمشكلتنا ولكن بدون جدوى، فهم لا يقبلون ان انتقل إلى الأحساء، ولا ان ينتقل هو إلى القصيم، وحتى حركة لم الشمل لم تحل مشكلتنا.. ولم أجد إلا حلا واحدا هو ان أقدم ورقة أنني مطلقة، فهل أتطلق حتى أنقل إلى الأحساء؟ وحتى لو فعلت ذلك فهذا أمر غير مضمون، فلقد تقدمت معلمات بأوراق الطلاق ولكنهن لم ينقلن. وتنتظر معلمة الإنجليزي حدثا سعيدا لغير المعلمات، وهو الإنجاب.. تقول: تفرح الأم حين تضع طفلها، ولكن المعلمة في منطقة نائية يزداد شقاءها.. فكيف ستربيه وتغدق عليه من حنانها؟ هل ستتركه للخادمة لكي تربيه.. وأتعذب كلما فكرت في مستقبل طفلي. ولا تخفي المعلمة خوفها من زواج زوجها من أخرى، أو حتى من انحرافه، في ظل ابتعادها عنه كل هذه المدة، تقول: لقد خربت بيوت بسبب ابتعاد الزوجة عن زوجها. أين البدلات؟ بعد 16 عاماً من الدراسة وعام من البحث عن الوظيفة جاء قرار تعيينها في منطقة تبعد عن الأحساء قرابة 1000 كيلو متر، وكانت القرية التي تعلم فيها عن المدينة التي تسكن فيها أكثر من 140 كيلو متراً، وبعد 4 أشهر من عذاب التنقل نقلت إلى مدينة أخرى تبعد عن سكنها 90 كيلو متراً فقط.. تقول: كانت القرية الأولى نائية جداً، وأنا أستغرب كيف يعيش الناس فيها، لقد صدمت حين زرتها أول مرة، كان الطريق شبه جبلي وصحراوي، وكنا نقطع واديا، وحين يهطل المطر ينقطع الطريق، ورغم انتقالي إلى قرية أقرب قليلاً ولكنني أخرج الآن من الساعة الخامسة فجراً حتى أصل المدرسة في السابعة صباحاً، حيث أذهب مع زميلتي في سيارة إلى محطة نقل ومن ثم نركب سيارة أخرى تقلنا إلى المدرسة.. كل شيء هنا صعب، سواء التنقل بين المدرسة والمنزل أو بين منزلنا هنا ومنزلنا في الأحساء، كما ان الطائرة تذهب إلى الدمام ومن ثم علي الانتقال من الدمام إلى الأحساء، أنها رحلة صعبة للغاية، فضلاً عن أنها مكلفة للغاية، مما يصعب علينا المجيء إلى الأحساء، فقررنا العودة كل شهر مرة واحدة فقط، حتى نوفر المصاريف الأخرى للعيش هنا ومساعدة أسرنا في الأحساء.. وتتساءل هذه المعلمة بعد 5 سنوات من التدريس في هذه المنطقة: لماذا لا يصرف لهن بدل نقل وبدل سكن وبدل نائية؟ أسيرة الغربة اختارت إحدى المعلمات ان تطلق على نفسها اسم "أسيرة الغربة"، التي كان ألم الغربة بالنسبة لها أعظم من فرحة التعيين، واستمرت الغربة معها 5 سنوات، وهي لا تعلم اليوم متى ستنتهي، تقول: الغربة دمرت حياتي الاجتماعية والصحية والأسرية دون أن أرى ضوءاً في نهاية النفق، لا بل ان الأمور تزداد سوءاً، لقد عينت مدرسات في نفس تخصصي (لغة عربية) في تواريخ تلي تاريخ تعييني وكان أداؤهن الوظيفي أقل من أدائي، ورغم ذلك نقلن ولم أنقل أنا، لأسباب لا أعرفها.