التفكير والمرض: هناك فئة من الناس وبفضل من الله سبحانه وتعالى تتمتع بصحة جيدة في البدن والنفس والروح مع توافق اجتماعي، فلا هنالك اي عوارض لاي اعتلال جسدي ولا يعانون اي مشكلة في النفس كما انه لا يوجد هناك اي عارض روحي (مس، عين، حسد او سحر) وفي توافق اجتماعي جيد. ومع اكتمال عناصر الصحة فان الواجب في هذه الحالة على تلك الفئة حمد الله المتفضل عليهم بتلك النعمة والمحافظة بقدر الامكان على ذلك التوافق. ومع ذلك فان هذه الفئة تعاني اشد المعاناة فما ان يمرض او يموت احد الافراد واذا بهم يسألون متى؟ وكيف؟ وماذا حصل وما الاعراض التي ظهرت؟ وكيف كانت حياته؟ الى غير ذلك من الاسئلة التي لا تنتهي. وما ان يتم استكمال ملف ذلك المريض او الميت من خلال اجابة جميع التساؤلات وجمع المعلومات، واذ بتلك الفئة بدأت تعاني اعتلال الصحة في الجسد والنفس والروح مع سوء توافق اجتماعي، فاذا بالجسد يظهر عليه العديد من الاضطرابات والتي تبدو لتلك الفئة نذير شر مستطير قادم واعتلال خطير، فسرعة ضربات القلب والتنفس تعني مرض القلب، وورم بسيط في اي عضو من الجسد يعني السرطان قادم، وهذه الفئة تمتلك ثقافة صحية لا بأس بها توظفها في مجال تأكيد وجود المرض، وتضطرب النفس، فيظهر القلق على الصحة والاكتئاب والوسواس الى ما هنالك ، ويضطرب الجانب الروحي في محاولة لتفسير مثل تلك الاعراض مع عدم توافق اجتماعي، وتبدأ بعد ذلك مرحلة ما يعرف بالتسوق الطبي. هذه الفئة لا يهدأ لها بال حتى تعالج تلك المشكلة قبل ان تتفاقم، ومع ذلك فان المشكلة تتعاظم يوما بعد يوم نتيجة التسرطن الفكري الذي ينتج عشرات وعشرات الافكار المعتلة عن الصحة، وبالتالي تبدأ رحلة زيارات الاطباء ويبدأ من يعاني هذه المشكلة في اجراء العديد من الفحوصات المخبرية وعمل الاشعة البسيطة والمعقدة وما ان تأتي النتائج مبشرة بالخير وانه لا يوجد هناك اي عرض عضوي فان هذه الفئة تنقسم الى قسمين: القسم الاول يفرح ويحمد الله جلت قدرته على نعمة الصحة ويكون في نشوة وسعادة لا حدود لها وما ان يأتي المساء او الصباح ويسمع احد افراده عن موت احد او اي برنامج طبي في قنوات الاعلام واذا بالمشكلة تعود كما كانت ان لم تكن اشد. وتبدأ رحلة المعاناة مرة اخرى للتأكد من نتائج الفحوصات السابقة، تارةربما أخطاء الطبيب او اخصائي المختبر او ا لاشعة او اعطيت نتائج لم تكن لي، وتارة ربما الاجهزة لا تعمل بالشكل المناسب وتارة اخرى ربما الطبيب لا يفهم ما اعانيه ، واذا به يتنقل الى طبيب آخر وآخر ويدور في حلقة مفرغة لاتنتهي! اما القسم الآخر (اعضاء جمعية الوهم) فانه لايصدق نتائج تلك التحاليل في المرة الاولى والاجابة لديه ان هؤلاء المتخصصين لايفهمون حقيقة المعاناة وينتقل الى طبيب آخر وعيادة اخرى ومستشفى آخر. والنتيجة عدم التصديق وفي نهاية المطاف فان ذلك المريض لا يقتنع بما حصل ويبدأ رحلة اخرى مع الرقاة الشرعيين في ان ما يعانيه تارة مس ، وتارة اخرى عين او سحر وهكذا، ويجد لدى من امتهن العلاج بالقراءة وهو ليس بأهل لتلك المهمة ما يعلل ذلك. والمشكلة لاتنتهي ويعيش صاحب ذلك التفكير المرضي معاناة اشد من معاناة المرض الذي يخافه ويخشاه. الخلاصة يلعب التفكير دورا اساسيا في الصحة والمرض، فالصحة المتكاملة لاتكون الا في وجود تفكير سليم، كما ان اعتلال الصحة ينتج عن تفكير خاطئ كما ينتج عن اسباب فيروسية وميكروبية واصابات عضوية. وعليه فان من يعاني هذه المشكلة عليه السعي الحثيث لعلاج التفكير عن طريق ما يعرف بالعلاج المعرفي Cognitive Therapy والذي صمم لتعديل الافكار الخاطئة بدلا من ضياع العمر في عيادات الاطباء واروقة المستشفيات. قنديل هذه رسالة لكل طبيب بان امثال هؤلاء كثيرون في هذا الزمن، وهذا ما يعرف في المجال الطبي باسم Medically unexplained Symptoms فماذا قدمنا لهم؟ وكيف التعامل مع تلك الفئة؟