مع العطلة الصيفية يتمدد الوقت ويتضخم ويغدو كتلة هائلة تضغط على المرء سواء أكان طالبا أو طالبة أو معلما، أو موظفا أو موظفة اختار أن تتواقت الاجازة السنوية مع عطلة الأبناء.. يصبح الوقت صخرة لا يعرف "المتعطل أو المتبطل" كيف يزحزحها أو يتصرف فيها، بخاصة عندما لا يكون عند هذا الشخص برنامج أعد مسبقا ليطبقه في هذه العطلة، أو نشاط يشارك فيه أو دورات تعليمية تثقيفية ينخرط فيها. وفيما لو كان من المحظوظين الذين من الله عليهم بعافية الصحة والمال فاختار أن يقضي العطلة خارج البلاد سائحا وحده أو بصحبة العائلة؛ حينها "لا مشكلة" تطير العطلة مثل البرق وتتصرم أيامها مثل حلم لذيذ؛ لتفاجأ بقرب الدراسة وبالنهوض لنهار الوظيفة طازجا مغسول الشرايين لدورة جديدة من الدراسة والعمل. تأتي العطلة هنا في مكانها ووقتها الملائمين كفاصل مريح وهانىء يهيء لما بعده بمداخل السرور والبهجة، و(صحتين على قلبه) وبارك الله في أيامه وعطلاته من كان هذا شأنه يتدبر جيدا لأوقاته ويسوسها في وجهها الصحيح والمثالي بما يعود بالنفع والفائدة عليه وعلى أبنائه حتى لو كان الأمر مجرد تسلية وفرجة؛ فالتغيير حاجة بشرية هامة تنقذ من الرتابة والجمود وسير الأشياء في مكانها وعلى جاري عادتها الذي لا يتبدل ولا يخرج عن الخط المرسوم والمحفوظ بآلية صماء تعيد نفسها كاسطوانة مشروخة تلفظ الكلمات آلاف المرات ولا ينالها التعب أو تفكر فيه.. العطلة هنا فرصة ذهبية للخروج عن الخطين وممارسة الحياة بإيقاع مختلف ونغمة أخرى، بالطبع هناك من يخرج نغمات نشازا أعاذنا الله منها ومن سماعها ومن الاطلاع عليها. لكن من لم يهيء نفسه أو أبناءه بسفر أو ببرنامج أو بنشاط أو بحضور دورات؛ سوف يجد نفسه في فك العطلة غير الرحيم محبوسا بين جدران الضجر والضيق والمزاج العكر.. تنهال على صدره حجارة غير منظورة تطبق على أنفاسه. هذه الحجارة هي (حجارة الملل الصيفية) التي يعاني منها كثيرون وكثيرات وقت يثقل السأم وتبطىء عقارب الساعة كأنه خربة أو منزوعة البطارية.. فيتفتح الفراغ على مصراعيه مثل هوة سحيقة لا تدري ماذا تصنع بها وأي شيء يردمها.. زمن متخثر، راكد، صلب؛ فكيف تفتته وتنعم بهذا الفتات وتلعب فيه.. بعض الشباب يسلمون حواسهم كلها لقنوات الفضاء المفتوح منها أو المشفر.. أو يلتهمهم ليل المقاهي والأراجيل، والاستعراض بالسيارات والتفحيط فيما المسجل العالي الصوت يضج بأحدث الأشرطة الغنائية لهذا المطرب أو تلك الطقاقة.. والبعض الذي (كف الذريعة) يتمطى في الكسل واستجلاب النوم لعل العطلة تمضي وتعود الأشياء الى مسيرتها ومسراتها المعهودة والمضبوطة.. وكل عطلة ونحن بملل أقل.. أقل!!