تستطيع ان تستدل على موقع سوق الأسماك بمدينة الدمام ليس بلوحة تشير إليه، ولكن بالروائح الكريهة المنبعثة منه، والتي تصل إلى نصف كيلو متر تقريباً.. فالسوق الذي افتتح قبل 3 سنوات ونصف السنة يفتقد لأدنى الخدمات. ومن زاره لن يستغرب إذا ما رأى باعة الأسماك فيه قد تحولوا يوماً إلى البيع في الشوارع، فبالإضافة إلى ارتفاع إيجاراته، فليس هناك ما يشجع على الاستمرار، فلا تكييف، أو تهوية، أو مراوح شفط، أو نظافة، أو صرف صحي، أو صيانة، أو رقابة. فضلاً عن العمالة الوافدة التي تبيع لحسابها الشخصي، باعترافها هي، وتسلم الكفلاء مبلغا لا يتعدى 1 بالمائة من الأرباح شهرياً. "اليوم الاقتصادي" قام بجولة على السوق، والتقى بالباعة والمشترين والباعة الأجانب أيضاً، فكانت هذه هي حصيلة الجولة:تكييف للتجربة فقط يصف مكي العطيريز (بائع) الوضع في السوق بأنه مزر وغير حضاري.. يقول: تنقص السوق عدة خدمات أساسية، وافتقادها يجعله شبه مهجور، إلا من الباعة الذين ينتظرون تشريف الزبون، الذي قد لا يأتي، فالزبائن هنا قليلون للغاية، مقارنة بالأسواق الأخرى. أبرز الخدمات الناقصة من وجهة نظر العطيريز هي التكييف، الذي لم يعمل منذ افتتاح السوق قبل 3 سنوات ونصف السنة تقريباً، إلا للتجربة، والسبب خوف المستثمر من فاتورة الكهرباء.. يقول: ندفع إيجارات مرتفعة، فالمحل الذي تبلغ مساحته 3 في 3 أمتار إيجاره 11 ألف ريال، فضلاً عن 1000 ريال للخدمات. كما يذكر العطيريز ان السوق يفتقد الصيانة الدورية والتنظيف والصرف الصحي الجيد، مما يدفع أصحاب المحلات الى توفير هذه الخدمات على حسابهم.. وهذا ليس من مهماتهم، ولكن ماذا سيصنعون؟ فلو ظلت بقايا الأسماك لشكلت أكواماً، انبعثت منها الروائح الكريهة التي لا يمكن تحملها. عملية خداع كبيرة ويرجع عبدالمجيد علي (صاحب محلين بالسوق) هروب الزبائن من السوق في فصل الصيف إلى انعدام الخدمات.. ويقول: تعرض أصحاب المحلات إلى عملية خداع من إدارة السوق، التي يتولاها أحد المستثمرين، فالعقد الموقع من قبل الطرفين تضمن توافر خدمات التكييف والصيانة للسوق، التي لا غنى عنها لسوق سمك، إلا ان هذه الخدمات لم تُوفر. ويعترض عبدالمجيد على تصميم السوق.. يقول: هو غير مناسب لبيع الأسماك، فالمفترض ان تتوافر فيه مصارف خاصة في كل محل، ومصارف واسعة وعميقة بمياه جارية تتم صيانتها باستمرار لمنع تعرضها للانسداد، وهذا الأمر ليس موجوداً في الوقت الحاضر.. ويتساءل: هل يوجد سوق سمك في العالم لا توجد به مراوح شفط؟ ويجيب هو عن هذا السؤال بالقول: نعم يوجد سوق السمك بالدمام، ولكن لا توجد به مراوح شفط أو تهوية فهو سوق محكم ومخنوق. تسوق خطر ويحذر عبدالمجيد من خطورة التسوق في السوق، بسبب احتمالية التعرض للانزلاق.. يقول: البورسلان الموجود في السوق غير صحي، ومن النوع الرديء سريع الكسر.. ويدعو المسئولين إلى زيارة السوق ليروا بأنفسهم التشوه في الأرضية وطبيعتها الزلقة، خاصة مع انسكاب المياه المصاحبة للأسماك، المتميزة باللزوجة العالية.. ويذكر ان عدداً من الزبائن تعرضوا بسبب ذلك إلى الانزلاق، وأصيب بعضهم بإصابات متوسطة وكسور. فرار السعوديين وسيطرة الأجانب ويذكر عبدالمجيد ان ارتفاع الإيجارات بالسوق وعدم توافر الخدمات وعدم تفرغ صاحب المحل لإدارته وترك الحبل على الغارب للعمالة الآسيوية مقابل استلام مبلغ شهري منهم، هو ما دفع الباعة السعوديين إلى هجر السوق، ليسيطر العمال الأجانب عليه، حتى وصلت نسبتهم إلى 90 بالمائة من العاملين، بالإضافة إلى وجود عمال أجانب يعملون لدى السعوديين في محلاتهم. بلاط مكسر سعد السعد (بائع) يذكر ان الباعة في الصيف بالكاد يغطون تكاليف تشغيل المحل، بسبب قلة الزبائن.. يقول: الإيجارات أرهقتنا. ويأخذ السعد على مقاول تشغيل السوق، عدم الاهتمام بالصيانة والتنظيف، وحل مشكلة التكييف. كما يطالبه باستبدال بلاط الأرضيات، الذي يقوم أصحاب المحلات باستبداله بأنفسهم، بينما هي مسئولية المقاول.. يقول: طلبت من ممثل المقاول أكثر من مرة استبدال البلاط، وفي كل مرة كان رده إن شاء الله، فهو ليس حريصاً على استبداله، كما هو حريص على استلام الإيجارات، التي يذكرنا بها قبل شهر من حلولها. ويشاطره الرأي حسين الخليف (بائع)، الذي يقول: كان من المفترض ان تكون الإيجارات وتكاليف النظافة التي ندفعها كفيلة بان تجعل السوق الأفضل على مستوى الأسواق، ولكن ذلك لا يحدث، فنحن من يتولى الصيانة والتنظيف.. ويطالب الخليف أمانة مدينة الدمام بالإشراف المباشر على السوق. انتقال الباعة السعوديين بائع فضل عدم ذكر اسمه أكد أنه يفكر جدياً في الانتقال من السوق إلى سوق آخر، والسبب عدم توافر الخدمات الأساسية، التي تدفع الباعة والزبائن إلى هجر السوق.. يقول: بقايا الأسماك تتجمع على شكل تلال، مخلفة روائح كريهة لا يتحملها الباعة أنفسهم، الذين تعودوا على تلك الروائح فما بالك بالزبائن، بالإضافة إلى افتقاد السوق للصيانة، التي جعلت الناظر إليه يقدر عمره بأكثر من 15 عاماً، بينما لم يمض على افتتاحه سوى 3 سنوات ونصف السنة تقريباً. ويشير إلى ان ما يقوم به المستثمر يقضي على جهود الدولة في السعودة، ويدفع بالعمالة الأجنبية الى السيطرة على السوق، السعودي لا يستطيع العمل وسط هذه الظروف، بينما الأجنبي لا يمانع. حتى أصبح السوق غريب في هذا السوق، الذي يعج بالعمالة الآسيوية، الذين يجنون أرباحاً طائلة، ويدفعون قيمة الكفالة للسعوديين، والتي لا تتجاوز في أفضل الأحوال 3 آلاف ريال. الهروب إلى الشوارع ويرى عيسى عبدالله المحيشي ان وضع السوق لا يتناسب مع مركز مدينة الدمام العاصمة الإدارية للمنطقة الشرقية، وهو ما دفع الباعة إلى البيع في الشوارع والساحات، رغم عدم حضارية ونظامية هذا النوع من البيع، وكذلك عدم ضمان جودة الأسماك والروبيان الذي يباع في الشوارع، لأن الشمس الحارقة تذيب الثلج، فتفسد الأسماك والروبيان، فضلاً ان البقايا ترمى في الشارع. العمالة الوافدة تتحدث يعمل محمد خطيب في المملكة منذ 18 عاماً، وتنقل خلال هذه الفترة بين أكثر من كفيل، سواءً في سوق الخضار والدجاج واللحوم، وكوسيط في سوق الأسماك لد كفيل سعودي، إلى ان جاءته النقلة النوعية بالعمل لحسابه الخاص.. يقول: يعمل معي عدد من العمال وفي أواخر كل شهر نعطي الكفيل مبلغ 3 آلاف ريال، والباقي لنا.. ويشتكي خطيب من قلة الزبائن. ويتواجد انطوني في السوق منذ عدة سنوات، ويعمل شراكة مع آخرين في بيع الأسماك لحسابهم الخاص.. ويصف وضع السوق بأنه جيد، وان كان عدد الزبائن في الفترة الأخيرة قد تناقص بشكل كبير. وينفي انطوني علمه بوجود حالات غش في السوق من قبل العمالة الوافدة.. يقول: نحن نبيع الأسماك للمشتري وهو يراها قبل الشراء، وبعضها يباع وهي تتحرك.. ورغم ذلك فالغش وارد كما في أي سوق آخر. ويرى العامل عبدالودود ان وضع السوق بشكل عام جيد، وان كان بحاجة إلى متابعة أكثر من أمانة مدينة الدمام، كأي سوق آخر. وهو الرأي الذي يشاركه فيه راجا شمو هاتي، الذي يدير محلاً بالإنابة عن كفيله السعودي.. ويقدر إيرادات محله ب 50 ألف ريال في فصل الصيف، وب 150 ألف ريال في فصل الشتاء. ويعطى للكفيل مبلغ 3 آلاف ريال شهرياً، سواءً ارتفع الدخل أو انخفض. العمالة الأجنبية تغش يضطر أحمد العودة (زبون) إلى المجيء إلى السوق بسبب قربه من منزله، ولوجود أحد الباعة الذين يثق في جودة ما يبيعونه من أسماك، رغم حجم الملاحظات الموجودة لديه على وضع السوق، والتي أوردها الباعة، بالإضافة إلى حالات الغش الكثيرة التي يقوم بها العمال الأجانب الذين يعملون في السوق لحسابهم الشخصي.. يقول: هم يبيعون في بعض الأحيان أسماكا فاسدة دون حسيب أو رقيب، ولن يكتشف المشتري أنه تعرض للغش إلا في المنزل حينما يأكل السمك. والعودة يتكلم عن تجربة مريرة تعرض لها في السوق، يقول: أغراني أحد الباعة الأجانب بالشراء، حين رأيت السعر منخفضاً، ولم أعلم ان السمك فاسداً، لأنني كنت أعتقد ان السوق يخضع لرقابة الأمانة، ولم أكن أحتمل ان يكون هناك غش في البيع. صراصير وذباب حين التقينا بابراهيم الضبيعان في سوق السمك بالدمام، كانت هي الزيارة الأولى له، فهو قادم من الرياض، من أجل السياحة وزيارة الأهل في المنطقة الشرقية.. يقول: ام أكن أظن ان سوق السمك في الدمام بهذا السوء، فلا تكييف أو صرف أو نظافة، الحشرات مثل الصراصير والذباب تنتشر في كل مكان.. ويأمل الضبعان ان يكون وضع السوق في المستقبل أفضل مما هو عليه الآن. بعد تلافي كل السلبيات. حمد علي الدبيس قادم أيضاً من الرياض، وجاء لنفس الغرض.. يقول: ان وجود العمالة الوافدة في السوق بهذا الشكل أمر مخيف جداً، حيث ان هؤلاء في الغالب لا يهتمون بصحة المشتري قدر اهتمامهم بمصلحتهم الشخصية، فهم لا يتخلصون من الأسماك الفاسدة، والتي تبقى لديهم فترات طويلة، فيبيعونها للمشترين، وقد تحدث نتيجة ذلك حالات تسمم. الاهتمام بالسائح ويعتقد صالح العمير ان سوق الأسماك في دول الخليج الأخرى هو أحد الأماكن التي يقصدها السياح.. ويرى ان سوق الأسماك بالدمام لا يشجع السائح على القدوم إليه.. ويقول: ما دام هناك مقاول أو مستثمر لا يهتم إلا بمصلحته الخاصة ولا يهتم بشيء آخر، فيجب ان يستبدل بآخر يضع المصلحة العامة نصب عينيه.. مطالباً أمانة مدينة الدمام بوضع حد للاستهتار الموجود في السوق. ويبدي ماجد عاشور القادم من جدة للسياحة والترفيه دهشته بالوضع المأساوي للسوق.. مشيراً إلى ان السوق بوضعه الحالي لا يصلح لأن يكون سوقاً للأسماك.. متسائلاً: أين المسئولون المعنيون عن كل ما يحدث في السوق؟ ولماذا يقع الباعة السعوديون البسطاء ضحية لجشع القائمين على إدارة السوق وأمثاله؟ وأين السعودة التي تغتال يومياً هنا؟ إشادة ولكن ويشيد محمد العسيري (ابن أخت عاشور) بوجود مجمع واحد للأسواق في مدينة الدمام، فهنا سوق الخضار يجاور اللحوم والدجاج والتمور، ولكن السوق يجب ان يخضع للرقابة المستمرة، خاصة أسواق اللحوم والدجاج والأسماك، فهي تبيع مواد غذائية شديد الحساسية ومعرضة للتلف. ولأن المتسوقين خلال فترة الصيف قلائل لذا يرى يحيى محمد مدخلي ان إدارة السوق يجب ان تهتم بصيانته السوق وتوسيع المجاري والمصارف الضيقة، والقيام بحملة للقضاء على الآفات والفئران والقوارض، التي تنتقل بحرية في جنبات السوق. تغيير البورسلان فيما يطالب سعود عبدالعزيز العبيد بتغيير جميع البورسلان الأرضي بالسوق، لأنه يسبب الانزلاق، فضلاً عن كونه رخيصا جداً، ومصمما للجدران.. مضيفاً: وضع السوق الحالي يسيء للوجه الحضاري للمنطقة الشرقية، خاصة أننا نعيش أجواء مهرجان المنطقة الشرقية السياحي (لك ولعائلتك). ويطالب شقيقه محمد العبيد أمانة مدينة الدمام للقيام بدورها، بإرسال مندوبين عنها للاطلاع على وضع السوق عن كثب.. يقول الشكل الداخلي والخارجي للسوق غير مناسب، فضلاً عن رائحته الكريهة التي تشم من على بعد مسافة طويلة.