يعود تاريخ إنشاء أسواق الجبيل العالمية إلى ما قبل 17 عاماً، وهي واحدة من أكبر الأسواق حجماً في المحافظة ومن أوائلها على النمط الحديث. وتقع على مساحة تقدر بحوالي 16 ألف متر مربع، وتكتسب أهميتها من موقعها المميز في وسط المحافظة، وتطل على شارع الملك عبدالعزيز في المدخل الرئيسي للمدينة، ويشتمل على حوالي 227 محلاً من الداخل والخارج. وشهد السوق خلال سنوات ماضية فترات مزدهرة، لم يسبق لها مثيل، ولكن مع مرور الزمن بدأت حالة السوق في التراجع، وخرج منها معظم مستأجريه، وكذلك زبائنه، مما أضعف حاله، وبات أصحاب المحلات فيه يشكون حالهم ويبحثون عمن يستقبل همومهم، ويقدم لهم الدواء الشافي. "اليوم الاقتصادي" قام بجولة على السوق، والتقى بمن تبقى من الباعة والمستأجرين، واستمع إلى أمانيهم التي يتمنون تحقيقها ليتغير حال السوق إلى الأفضل. أصحاب المحلات والزبائن هربوا من السوق إلى الشوارع لقلة الزبائن أصبحنا نعرفهم بالاسم.. وغالبيتهم أجانب بداية قوية لم تستمر سعيد جمعان الغامدي، يبيع العطورات والإكسسوارات في السوق منذ أكثر من 10 سنوات، يصف بداية السوق بأنها كانت قوية ومشجعة على الاستئجار فيه.. يقول: كانت هناك وسائل دعاية ساعدت على جذب المتسوقين من أهالي الجبيل، ولكنها كانت لفترة زمنية محدودة، ولم تستمر طويلاً. ومن العوامل التي أضعفت السوق من وجهة نظر الغامدي، عدم انتقال تجار الذهب إليه.. يقول: طالب أصحاب المحلات بانتقال تجار الذهب من موقعهم القديم المطل على شارع عينين إلى السوق، وكان هناك عرض مشجع من قبل المالك، والذي عرض إيجارات رمزية، إلا ان جميع المحاولات باءت بالفشل، مما كان له أثر سلبي ساهم في تراجع قيمة السوق اقتصادياً بسبب أهمية تجار الذهب. وبعد مرور عدة سنوات أُجرت محلات السوق بالكامل لأحد المستثمرين، الذي لم يحسن إدارته بالشكل الملائم والإيجابي الذي يجتذب المتسوقين، ومنها على سبيل المثال تقديم عروض تسويقية، علماً بأن أصحاب المحلات يسعون جاهدين لتطوير السوق، عبر تقديم ما هو جديد. وبعد 8 سنوات من الإيجار أُعيد السوق إلى مالكه، الذي لم يضف جديدا له، سواء بإصلاح التكييف المركزي أو ضعف الإنارة الملاحظ، أو عدم وجود وسائل ترفيهية لأطفال المتسوقين كالملاهي والعروض الترفيهية الأخرى، فضلاً عن عدم وجود تعاون بين المالك وأصحاب المحلات، أو إيجاد وسائل تسويقية ودعائية، وغيرها من القضايا التي كانت تتسبب في هروب المتسوقين وأصحاب المحلات. غياب الإدارة الناجحة يبيع حمدان علي العنزي الملابس الجاهزة في السوق منذ أكثر من 13 عاماً، وهو يرى ان حركة التسوق فيه ضعيفة للغاية، ويرجع ذلك إلى غياب الإدارة الناجحة، التي أدت إلى إحباط المستأجرين في السوق بشكل عام.. يقول: بدأ هذا التدني في السوق منذ قرابة 7 سنوات، وقبل هذا التاريخ كان السوق منتعشاً، وكان التسوق مشجعاً. وكان السوق مشغولاً بنسبة تصل إلى 80 بالمائة تقريباً. أما الآن فدخل السوق في مرحلة انتكاسة، وفقد الكثير من المستأجرين، حتى وصلت نسبتهم إلى 15 بالمائة عما كان عليه في السابق. ومن الأسباب التي يرى حمدان أنها ساهمت في إضعاف السوق مخيمات التسوق، التي سببت إرباكا عاما للسوق في الجبيل، ومن ضمنها أسواق الجبيل العالمية، وهنا نتمنى على وزارة التجارة التدخل لوقف هذه المخيمات، فأصحاب المحلات في المخيمات لا يدفعون إيجاراً كما يدفعه أصحاب المحلات في المجمعات والأسواق. ويشير العنزي إلى ان ارتفاع الإيجارات كان أحد أسباب ذلك.. يقول: الإيجارات لا تتناسب مع الحال التعيس. كما لا توجد عدالة وإنصاف، فالمحل الواحد يصل إيجاره في الحد الأعلى إلى 12 ألف ريال، بينما هناك محلات يصل إيجارها إلى 7500 ريال. وللخروج من نفق الانتكاسة الذي يعيشه السوق يقترح العنزي توحيد سقف الإيجارات واستقطاب مستأجرين جدد، لبث روح التجديد، كما يحتاج السوق إلى تنويع الأنشطة التجارية، حتى لا يُصاب المتسوقون بالملل. مد وجزر حال السوق يتراوح بين المد والجزر، هكذا يصف سعيد سدران الغامدي، الذي يعمل في بيع الأحذية النسائية منذ قرابة 10 سنوات الحالة.. يقول: هناك شريحة من المتسوقين يميلون إلى الأسواق التقليدية والشعبية ولكن للأسف بعض الأسواق المركزية المكيفة والمريحة لا تجد القبول في الجبيل، إلا عند شريحة قليلة من أهالي الجبيل، وهذه خصوصية تتعلق بهم. ويضيف الغامدي: أسواق الجبيل العالمية حالياً تعيش تدنياً لم يسبق له مثيل، وهو في الحضيض، ومعظم المحلات للأسف الشديد أُغلقت، والكثير من المستأجرين تركوا العمل في السوق، بعد ان واجهوا الكثير من المتاعب وتكدست بضائعهم لعدم وجود المتسوقين، علماً بأن السوق بإمكانه ان يحقق النجاح وبشكل كبير جداً، إذا وجدت هناك الإدارة الناجحة، والتي تستقطب كبار المستثمرين عن طريق استقطاب الزبائن، بالترويج الدعائي والإعلاني، وبتقديم العروض الترفيهية للمتسوق. نعرف المشترين بالاسم دخل محمد حسن الأنصاري إلى السوق بائعاً منذ 4 أعوام، حيث يملك محلاً للحاسب الآلي والإلكترونيات، وحين يقارن بين المتسوقين في الأسواق العالمية وغيرهم من أسواق المدينة يراهم قليلين، حتى ان الباعة أصبحوا يعرفونهم بالاسم، رغم تميز الأسواق بالموقع الإستراتيجي.. فالسوق من وجهة نظره يفتقد الصيانة الدائمة، ومعظم محلاته بأسقف مستعارة وتالفة وأخرى سقطت، كما ان الأرضيات تحتاج إلى نظافة دائمة، وصقل للرخام بشكل مستمر، بدلاً من الوضع الحالي.. ويقترح الأنصاري زيادة عدد المحلات الإلكترونية في السوق وتنوعها وتنظيمها وتخصيص موقع لها، بدلاً من مجاورتها العشوائية لمحلات الألبسة والكماليات. ضاع علينا الصيف يعد إبراهيم عبدالله الدغيم من أوائل المستأجرين في السوق حين افتتح قبل أكثر من 17 عاماً.. وهو يرى ان السوق بحاجة ماسة إلى الاهتمام والمتابعة المستمرة من قبل المالك، لتكرار الشكاوي من قلة الزبائن، بسبب عدم اكتمال معظم الأنشطة وقلة الدعاية والإعلان الذي يجتذب المتسوقين، خصوصاً في هذه الفترة (الصيف)، الذي تزامن هذا العام مع مهرجان المنطقة الشرقية (لك ولعائلتك)، فلم ينشر عن السوق إعلان في الصحف أو التلفاز، كما هو حاصل مع المجمعات التجارية والأسواق الأخرى. بضاعة دون المستوى أسباب تدني وضع السوق من وجهة نظر أحمد ظافر الشهري (يملك محلاً في السوق)، كثيرة، أبرزها عدم وجود تجار ينهضون به، ليأخذ مكانته في خارطة المنافسة، كما لا توجد بضاعة بمستوى تطلعات الزبائن، وينعدم في السوق التنظيم، بحيث تكون المحلات المتشابهة في النشاط إلى جانب بعضها، كما ان إدارة السوق لا تتواجد إلا لتحصيل الإيجارات يومي الخميس والجمعة، فمنذ 17 عاماً لم تجتمع الإدارة مع أصحاب المحلات، لبحث هموم ومشاكل الباعة والمتسوقين وتطويره نحو الأفضل، وهو تجاهل يعكس حالة لا مبالاة، أدت إلى هروب المستأجرين والمتسوقين.. وأكبر دليل على ذلك ان معظم المحلات الداخلية في السوق مغلقة، حتى ان التيار قُطع عنها، بسبب عدم توزيع فواتير الكهرباء في حينها من قبل إدارة السوق، ولولا النجاح البسيط الذي حققته المحلات الخارجية على الشارع العام لهرب أصحابها كما هرب الآخرون من الباعة إلى المتسوقين وبعد ان نقلنا أماني وآراء الباعة ننتقل إلى المتسوقين، حيث يقول قاسم محمد العمير الخالدي، الذي فكر في يوم من الأيام في استئجار محل بالسوق، ولكنه نُصح من قبل باعة سبقوه إلى ذلك بعدم الإقدام على هذه الخطوة، واعتبروها مجازفة، يقول: أبرز مشاكل السوق عدم التنوع في الأنشطة والبضائع المعروضة، وهذا ما دفع الزبائن إلى الأسواق العامة، التي يجدون فيها كل ما يرغبون، فضلاً عن ان الأسعار هنا مرتفعة مقارنة بالأسواق الأخرى.. وأنا لا أحضر للسوق إلا في الأعياد والمناسبات. عروض وماركات عبدالله علي الشمراني، يرى ان مشكلة السوق هي في عدم وجود عروض خاصة ومحلات تبيع الماركات العالمية المشهورة، إلى جانب عنصر التجديد، الذي يلفت المتسوقين، خصوصاً النساء، اللاتي يبحثن عن كل شيء جديد في الأسواق، وعلى سبيل المثال بحثنا عن قطعة خاصة في جميع المحلات الموجودة في السوق، وهي عموماً تعد على أصابع اليد الواحدة، ولم نجدها. وجهة نظر إيجابية كان ماجد أحمد الغامدي (قادم من الباحة)، من الزبائن الذين التقيناهم في السوق وقدموا وجهة نظر إيجابية عنه.. يقول: السوق لا بأس به، وهو يقع في وسط المدينة، ويفترض ان يكون من أنجح الأسواق بحكم موقعه الإستراتيجي، ولكم من خلال تجولي فيه وجدت ان معظم المحلات مغلقة، وشعرت ان هناك شيئاً ما يخالج هذا السوق، يعرفه أصحاب المحلات القليلة المتفرقة فيه. كما ان حماد راشد الدوسري يرى ان السوق من أفضل الأسواق والمجمعات التجارية، لأنه يجمع معظم الأنشطة التجارية، ولكن كلام حماد عن السابق، أما الآن فهو يتراجع إلى الوراء ويفقد بريقه السابق، وهو بحاجة إلى تجديد كامل.. حتى أنه يقترح هدمه وإعادة بنائه من جديد، بطراز معماري يتناسب مع مكانة الجبيل التجارية. وهو نفس الرأي الذي طرحه أحمد عطية الزهراني، الذي يصف التصميم الحالي بالمتواضع والتقليدي القديم، والأمر نفسه ينطبق على الإدارة.. ويذكر الزهراني ان السوق يفتقد حتى لبقالة تبيع المواد الغذائية، كما هو موجود في الأسواق الأخرى. محلات خاوية أما عبدالعزيز جمعان الغامدي فيتردد على السوق بشكل شبه يومي، رغم ان معظم المحلات فيه خاوية تبحث عن مستأجرين.. ويقترح عبدالعزيز ان يقدم المالك عروضا وحوافز لتشجيع المستأجرين، وإضافة بعض التعديلات، سواءً من ناحية إضافة ديكورات أو خدمات تجتذب المتسوقين. ويوافقه الرأي صالح سعد الفيروز، الذي يضيف إلى ما سبق ان بضائع الحملات قديمة وليس بينها جديد، وهي متشابهة إلى حد بعيد، ولا تشجع الزبائن على ارتياده، وتدفعهم إلى ارتياد الأسواق المركزية، فهناك يوجد الجديد، خصوصاً في شارع القطيفبالجبيل، حيث تفضل العوائل التسوق وشراء البضائع الجديدة. مواقف سيارات ومسجد ومن الأسباب التي تدفع الزبائن إلى عدم التسوق في الأسواق العالمية بالجبيل عدم وجود المواقف الكافية.. يقول جميل ضيف الله الثمالي: في المواسم ونهاية الأسبوع من الصعب ان تعثر على موقف لسيارتك، ليس لكثرة المتسوقين، ولكن لأن المحلات المجاورة للسوق تستعمل المواقف القليلة في التحميل والتنزيل.. كما ان السوق يفتقد إلى مسجد خاص به، فحين يأتي وقت الصلاة يتوجه الباعة والعدد القليل من المتسوقين إلى المسجد المجاور، وهو بعيد نسبياً. مقارنة ظالمة أحمد عبدالله الحارثي يرى ان هناك بوناً شاسعاً بين أسواق الجبيل عامة وأسواق مدينتي الدمام والخبر، فهناك الأسواق حديثة ومجهزة ومتنوعة في البضائع المعروضة، أما هنا فلا يوجد شيء من ذلك، والأسواق العالمية بحاجة ماسة إلى الارتقاء بجودة البضائع المعروضة، خصوصاً أنه السوق الوحيد في الجبيل البلد.. وهذه من وجهة نظري من مسئوليات مالك السوق، الذي يجب ان يسعى لتطويره والارتقاء به، حتى ينجح استثماره بشكل جيد. ويضيف الحارثي: السعوديون لا يفضلون ارتياد السوق، والزبائن الموجودون هنا رغم قلتهم هم أجانب، فالمواطنون يفضلون التسوق في أسواق الشوارع، مثل شارع جدة، القطيف والملك عبدالعزيز، والسبب ان هذا السوق غير مهيأ بالشكل الملائم لكي يصبح مركزاً تجارياً تتوفر فيه جميع المقومات الموجودة في الأسواق التجارية المعروفة، مثل الخدمات المكتملة والبضائع المنوعة، الرجالية والنسائية. الحاجات الأساسية مفقودة آخر المتسوقين الذين التقيناهم كان عبدالله غرم الله الغامدي، الذي قال: زرت السوق بصحبة الأهل، وللأسف لم أجد جميع احتياجاتنا بما فيه البضائع النسائية الأساسية والضرورية، والتي يتوقع كل زبون ان يجدها في أي سوق، وهذا يدفعني وأي زبون آخر إلى التوجه إلى الأسواق الأخرى، خصوصاً شارع القطيف، حيث توجد جميع المستلزمات، فعلى سبيل المثال السوق لا يوجد بها محل عطارة (حواج) ولا محل يبيع العباءات.. ويختتم الغامدي بالقول: أرى ان مساحة السوق الكبيرة تفوق حاجة الجبيل، فضلاً عن أنه غير منظم بالشكل المطلوب. محصل إيجارات المحلات قبل ان نغادر السوق التقينا يسلم مبروك الصعيري، الذي يعمل في السوق محصل إيجارات، فقال: أسواق الجبيل العالمية من أفضل الأسواق في المحافظة من حيث التنظيم، وفيها مواقف سيارات كثيرة تحيط بمبناها من مختلف الأماكن، إلى جانب أنها تقع في وسط الجبيل، ويطل على أكبر شوارعها (شارع الملك عبدالعزيز)، وهو مكيف تكييفاً مركزياً يريح جميع المتسوقين. ويتهم الصعيري أصحاب المحلات بالتسبب في فشل السوق، والسبب عدم توفير البضائع للزبائن، وعدم تقديم الجديد، مما ساهم في هروب المستأجرين من السوق إلى الأسواق الأخرى في الجبيل ومدن الشرقية الأخرى.. ولكنه يختتم بالقول: نحن نسعى جاهدين لراحة الزبائن وأصحاب المحلات.