على رغم أن «أبو جاسم»، أمضى في سوق السمك المركزي في محافظة الأحساء، زهاء 3 عقود، بائعاً للأسماك، إلا أن هذا «السبعيني» لا يكاد اليوم يعرف مكان عمله السابق «فقد تغيّر كثيراً، ولم يعد أحد من زملاء الأمس موجوداً» بحسب قوله. فجميع رفاق «أبو جاسم» من الباعة السعوديين، تركوا العمل في السوق، إما لرحيلهم عن الدنيا، أو لتقدمهم في العمر، أو لعملهم في مجالات أخرى. رحل السعوديون من السوق الذي يُعد الأكبر في محافظة الأحساء، ليحل مكانهم باعة وافدون، وتحديداً من الهنود. فمنذ الوهلة الأولى التي تطأ فيها قدماك السوق؛ ستعتقد أنك في أحد أسواق مدينة كيرلا، أو بومبي؛ لسيطرة العمالة الهندية على السوق بنسبة 100 في المئة. فيما لا يوجد مكان للسعوديين هنا، سوى كمشترين يتسوقون لمنازلهم. أما سعودة السوق، على غرار أسواق اللحوم والخضراوات، فتحولت إلى «حلم مستحيل التحقق» في هذا المكان، حتى إشعار آخر، في ظل تحالف الباعة الأجانب، وتحكمهم في الأسعار، وقيامهم برفعها بين فينة وأخرى. ويصف أحد زبائن السوق الوضع فيه بأنه «حبة فوق وحبة تحت». فيما يؤكد أن مستوى النظافة «متردٍ، وبحاجة إلى متابعة من قبل الجهات المعنية والرقابية». ويحتكر الباعة الوافدون، جلب الأسماك في شكل شبه يومي، من القطيف والجبيل. ويتم بيعها في مجمع الأسواق ومحال الأسماك المنتشرة في الأحساء، وهم يسيطرون على تجارة الأسماك في الأحساء كافة. وترصد أمانة الأحساء، حالات «غش وتلاعب» في جودة الأسماك وأسعارها في شكل دائم، ومنها إخفاء الأسماك الطازجة حتى يتم بيع جميع الأسماك السابقة. فيما ضبطت بلدية الهفوف قبل أيام 125 كيلوغراماً من الأسماك «الفاسدة» في 9 محال، تديرها عمالة آسيوية. كما ضبطت بلدية المبرز قبل شهرين، كميات كبيرة من الأسماك «الفاسدة» بينها كميات يتم توزيعها على المطاعم في الأحساء، تفوق 200 مطعم. ويمضي الدكتور أحمد عيد، فترة طويلة في تقليب الأسماك المعروضة في بسطات السوق، قبل أن يقرر عدم شراء شيء منها، ويقول: «كل المعروض اليوم قديم، وأستطيع الجزم بذلك من خلال خبرتي الطويلة التي تمكنني من معرفة مدى كون الأسماك طازجةً، سواءً من لون خياشيمها، أو ملمس جسمها»، لافتاً إلى أن «أسعار الأسماك في ارتفاع، وينتشر الغش في بعض المحال، والمعروض الطازج قليل جداً». وبعد جولة من المساومات مع البائع الهندي، على سعر كمية من الأسماك، اشتراها، تمنى المتسوق نواف عبدالله، أن يرى «الشباب السعودي في هذه المحال، لأن مهنة بيع الأسماك مربحة في شكل كبير جداً»، لكن «شبابنا لا يعرف ذلك». فيما يتذكر سالم الراشد، أن «سوق الأسماك قبل 20 عاماً، كان يدار من سعوديين غالبيتهم كبار في السن، وكانوا على قدر من المسؤولية والأمانة، يعملون في السوق من بعد صلاة الفجر وحتى صلاة الظهر». إلا أن صديقه محمد الدوسري، يقول: «إن سوق الأسماك أصبح اليوم محتكراً من قبل العمال الوافدين، وجميعهم على قلب رجل واحد في تحديد الأسعار، سواءً في الصيف، أو الشتاء». ويشاطره الرأي حسين الياسين، متمنياً «وجود شباب سعودي في السوق، فالعمل في هذه المهنة ليس صعباً جداً، ومردوده المادي كبير، لا يعرفه سوى من يعمل هنا». ولم يكتفِ الباعة الأجانب بالسيطرة على عمليات البيع، إذ افتتح عدد منهم محلاً لشوي الأسماك داخل السوق، «يفتقر إلى أبسط مسميات النظافة العامة»، كما يقول المتسوق صالح الراجح، الذي يصف الأسعار ب «المرتفعة للغاية»، مضيفاً أن «السوق بحاجة إلى عناية ونظافة في شكل أكبر». ويستغرب الراجح، من وجود «مبانٍ مهجورة منذ سنوات مقابل مبنى السوق، وتمتلئ بالأوساخ والحشرات». أما «المفاجأة» التي واجهت «الحياة» خلال جولة على المرافق القريبة من سوق الأسماك المركزي، فكانت المنازل المهجورة «المخيفة» التي تتجمع فيها الأوساخ والقاذورات والقوارض، على بعد أمتار من المحال، ما يستدعي إزالة السوق الحالي، وإعادة تنظيم المنطقة في شكل عام حفاظاً على الصحة العامة.