جون جارانج كان ضابطا في الجيش السوداني أرسل إلى الجنوب لقمع تمرد قام به 500 جندي جنوبي رفضوا أوامر بالتوجه إلى الشمال. لكنه لم يعد. من هنا بدأت قصة الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي خاض إحدى أطول الحروب في القارة الإفريقية بين الجنوب المسيحي والوثني من جهة والشمال المسلم الناطق بالعربية من جهة أخرى. وبدلا من اتباع أوامر رؤسائه في الشمال ، شجع جارانجعلى التمرد في مواقع أخرى، ووضع نفسه على رأس حركة عصيان ضد حكومة الخرطوم.. قتل فيها منذ عام 1983 أكثر من مليوني شخص وشرد أكثر من مليون آخر .. وجاء الاتفاق الأخير لينعش الآمال بانتهاء القتال، بعد توقيع اتفاق بين الجيش الشعبي والحكومة المركزية في الخرطوم. بين أمريكا والسودان وجون جارانج هو أحد أكثر الشخصيات المتمردة تعقيدا في قارة مليئة بجميع أنواع التمرد والثورة. ومن الناحية الجسدية، يمتلك بنية ضخمة ولحية وبشرة سوداء فاحمة مثل أقرانه من إثنية دينكا. وقد قضى زعيم التمرد الحاصل على درجة الدكتوراة في الاقتصاد من الولاياتالمتحدة بداية حياته في الغابات عازما على الكشف عن آبار بترول. ورغم أنه كان في قلب الصراع فترة طويلة، فإن ما يعرف عن جارانج الإنسان لا يزال قليلا. ويقول بيتر موسزينسكي، وهو متخصص في تغطية أخبار الحرب الأهلية السودانية لعدة سنوات، إن من الصعب إقامة علاقة شخصية مع هذا الرجل: "لديه مظهر بارد، يعطيك الانطباع بأنه فوق الآخرين". ويصف جيل لاسك نائب رئيس تحرير أفريكا كونفيدينشيال والمتخصص في الشؤون السودانية جارانج بأنه رجل فخور، ويقول إنه "رجل ذو كاريزما وقدراته القيادية واضحة". رجل عسكري محترف يعتقد أنه ماهر. قرون الكباش وولد جون جارانج عام 1945 في قبائل دينكا الجنوبية المعروفة بعبادة السماء وعزف الموسيقى باستخدام قرون الكباش وحبها للحوم المشوية. وكانت عائلته مسيحية، وقد أرسلته إلى الولاياتالمتحدة لتلقي تعليمه فدرس في كلية جرنيل، أيوا، ثم عاد إلى الولاياتالمتحدة مرة ثانية لتلقي تدريب عسكري في فورت بينينج، جورجيا. الجيش الشعبي متهم بعدة انتهاكات لحقوق الإنسان وكان أول اختبار لجارانجفي حرب العصابات عام 1962 في بداية الحرب الأهلية مع حركة أنيا أنيا الجنوبية.. وبعد ذلك بعشر سنوات، وقعت الحكومة المركزية اتفاقا مع أنيا أنيا وصار الجنوب منطقة حكم ذاتي. واستوعب الجيش السوداني جارانج وآخرين حيث انتقلوا للعيش في الخرطوم. لكن بعد خمس سنوات من اكتشاف البترول في الجنوب السوداني عام 1978، اندلعت الحرب الأهلية مرة ثانية، وكان طرفاها القوات الحكومية والحركة الشعبية لتحرير السودان، وجناحها العسكري الجيش الشعبي. وتحيط بالخلفية العقائدية للجيش الشعبي لتحرير السودان نفس الضبابية التي تحيط بزعيمه جارانج الذي لا يتهاون مع المعارضة، ومصير من يختلف معه أو مع القيادة هو السجن أو القتل ، تلك الأيديولوجية التي تستمد مفرداتها من الماركسية إلى الحصول على تأييد الأصولية المسيحية في الولاياتالمتحدة. وليس معروفا على وجه الدقة موقفه من بعض الأمور المحورية، مثل إذا كان يقاتل من أجل استقلال جنوب السودان أم مجرد مزيد من الحكم الذاتي.. كما يشعر الأصدقاء والخصوم بالحيرة إزاء سجل حقوق الإنسان للجيش الشعبي ولأسلوب قيادة جارا نج.