حراك متنامٍ    اكتشاف نادر لشجرة «السرح» في محمية الملك عبدالعزيز    الأراضي الزراعية تقود ارتفاع العقار وترتفع 15.3%    2.8 مليار دولار استثمارات الأجانب بالأسهم السعودية    1500 زيارة لضبط التزام المصانع    باريس سان جرمان يسحق ليفركوزن بسباعية ويواصل العلامة الكاملة    الزعيم يعبر السد بثلاثية    الهلال يتفوق على السد بثلاثية    أرسنال يكتسح أتلتيكو مدريد برباعية في دوري أبطال أوروبا    برعاية سمو وزير الثقافة.. منتدى الأفلام السعودي الثالث ينطلق اليوم    مسجد الغمامة.. عراقة العمارة والإرث    الخلود ينوع اللعب    روسيا تضرب شبكة الطاقة الأوكرانية وأوروبا تتحرك لإجبار بوتين على السلام    إصابة ياسين بونو أمام السد.. واللاعب يعتذر    إعادة إعمار غزة.. من المسؤول؟    «عملية نقل الأتربة» إضافة جديدة لجرائم بشار الأسد    إيران تلغي اتفاق التعاون مع الوكالة الدولية    واشنطن تضغط لإطلاق المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة    الهلال يُكرم سالم الدوسري    تعليم الطائف يطلق جائزة سمو محافظ الطائف " ملهم" للتميّز التعليمي في دورتها الثانية    الالتزام البيئي يطلق غدا التمرين التعبوي في سواحل المنطقة الشرقية    ختام المشاركة السعودية في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب    تواصل أعمال المؤتمر الدولي لمستقبل الزراعة 2025    العنزي مديرا للإعلام والاتصال    نائب أمير منطقة مكة يستقبل معالي وزير الحج والعمرة    بين الغرور والغطرسة    اللواء المربع يدشن (4) خدمات إلكترونية للأحوال المدنية عبر منصة أبشر    القبض على 12 مخالفاً لتهريبهم (198) كجم "قات" بجازان    سابقة في فرنسا.. ساركوزي يدخل السجن    خام برنت يتراجع إلى 60.71 دولار للبرميل    وزير الخارجية ونظيره الهولندي يبحثان العلاقات الثنائية    أسواق العثيم تحصد جائزة المسؤولية الاجتماعية للشركات لعام 2025 عن فئة الشركات العملاقة    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    السعودية تؤكد دعمها الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الأمن والسلم    "دله الصحية" شريك تأسيسي في معرض الصحة العالمي 2025 و"عيادات دله" ترعى الحدث طبيّاً    العلا.. وجهة عشاق الطبيعة والفن والتاريخ    بيع شاهين فرخ ب 120 ألف ريال في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    نائب أمير الشرقية يطّلع على إنجازات وبرامج جامعة الأمير محمد بن فهد    محافظ بيش يستقبل شيخ شمل السادة الخلاوية والشابين المبدعين الشعفي    جمعية التطوع تطلق مركز (مفاز للإعلام الاجتماعي)    سعد سفر آل زميع للمرتبة الخامسة عشر    التدريبات الرياضية هي أفضل علاج لأوجاع التهاب مفاصل الركبة    المساعدة القهرية    صانع المحتوى وردة الفعل    تسجيل 184 موقعاً أثرياً جديداً في السعودية    تستهدف تصحيح أوضاع العاملين في هذه الأنشطة.. إطلاق اشتراطات أنشطة المياه غير الشبكية    نائب ترمب: وقف إطلاق النار أمام تحديات كبيرة    بجانب 20 موظفاً أممياً.. الحوثيون يحتجزون ممثل اليونيسف في صنعاء    استقبل الفائز بالمركز الأول بمسابقة تلاوة القرآن بكازاخستان.. آل الشيخ: دعم القيادة لحفظة كتاب الله يحقق الإنجازات    استقبل وزير الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: العمل التكاملي يعزز جودة خدمات ضيوف الرحمن    120 مليار استثمار أجنبي مباشر ..الفالح: 4.8 تريليون ريال حجم الاقتصاد السعودي    متلازمة المبيض متعدد الكييسات (2)    علماء يطورون ذكاء اصطناعياً لتشخيص ورم الدماغ    الوقت في المدن الكبرى: السباق مع الزمن    أمير القصيم يدشن مشروعي "التاريخ الشفوي" و"تاريخنا قصة"    خطر بطاريات ألعاب الأطفال    نائب أمير مكة يترأس اجتماع محافظي المنطقة لمتابعة مشاريع التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طيف التقسيم يخيّم على السودان
نشر في الحياة يوم 02 - 06 - 2010

الشمس كانت في كبد السماء، على ما يقول العرب. والحرارة تفوق 45 درجة مئوية. وقطعان من الأبقار الداكنة اللون ترعى في مجرى نهر كبير جاف. ولجأ الرعاة الى خيمة بيضاء نُصبت على أربعة أغصان. واقترب حميد، أحد الرعاة الرحل، من ضابط من قوة الأمم المتحدة، وقال: «قريباً تجف المياه الشحيحة في المنطقة. والجيش الجنوبي يمنعنا من الوصول الى ضفة النهر. ونطلب أن يأذنوا لنا بالاقتراب من النهر. ولكننا لم نلقَ جواباً الى الآن». وفي انتظار الرد، يخيّم التوتر على المنطقة. وعمد رعاة قبيلة الميسيرية، العربية البدوية، الى حفر آبار صغيرة يستخرجون منها مياهاً عكرة يحفظونها في بركة أنشأوها في مجرى النهر الجاف. وعلى بُعد كيلومترات قليلة، تتدفق مياه صافية ووفيرة هي مياه بحر العرب، بحسب تسمية قبيلة الميسيرية، ونهر كير، بحسب رعاة قبيلة دينكا المحلية.
وترحل قبيلة الميسيرية من سهل كردوفان الى منطقة أبيي في موسم الجفاف. وتعود وقطعانها الكبيرة أدراجها في موسم الأمطار. وتخشى القبيلة أن يُحال بينها وبين مياه النهر، وأن تضطر الى تغيير سنة تعود الى مئات الأعوام، وأن تقضي قطعانها جراء الجفاف.
وقد ينتهي الاستفتاء على استقلال جنوب السودان، في كانون الثاني (يناير) 2011، الى إعلان انفصال الجنوب (جنوب السودان)، ونشوء حدود برية في أراض مترامية الأطراف. و «لم نسمع يوماً بهذا الاستفتاء، وتربطنا علاقات عمرها مئات الأعوام بقبيلة الدينكا. ولا حدود تفصلنا عنها. وإذا ارتفعت حدود نفقت القطعان، وتحولنا متسولين»، يقول أحد مشايخ قبيلة الميسيرية. ولكن بعض ما يقوله الشيخ غير دقيق. فالعلاقات بين القبيلتين يحكمها النزاع منذ مئات الأعوام. وتعاظم النزاع بينهما في الحرب الأهلية، حين خطف العرب الرحل نحو 8 آلاف امرأة وطفل، على قول زعيم قبيلة الدينكا. ولكن السلام الطارئ على المنطقة قد يبعث الاضطراب في نظام العلاقات المستقر، على رغم شوائبه. ففي 2005، اضطرت حكومة الخرطوم الى إبرام اتفاق سلام مع ميليشيا الجنوب وواجهتها السياسية، ال «حركة الشعبية لتحرير السودان». والانتخابات الأخيرة، كرّست انقسام السودان قسمين. فرجحت كفة «الحركة الشعبية لتحرير السودان» في الجنوب، وكفة حزب الرئيس السوداني عمر البشير، «حزب المؤتمر الوطني»، في الشمال.
ولعل الانتخابات صارت من الماضي. فعيون السودانيين، اليوم، شاخصة الى استفتاء 2011. ويبدو وكأن نتيجة الاستفتاء محسومة سلفاً. فالأحوال تغيرت، منذ مقتل جون قرنق غارانغ، الزعيم السوداني الجنوبي في حادثة سقوط مروحيته، اثر توقيع اتفاق سلام. ولكن قرنق، على خلاف خلفائه الذين يرغبون في الانفصال وبفك قبضة العرب، اتحادياً يؤيد وحدة السودان. ولا ينظر المجتمع الدولي بعين الرضى الى مغامرة الانفصال المحفوفة بالمخاطر. واثر انتخابه أخيراً، جدد الرئيس عمر البشير التزامه الاستفتاء. ولكن هل تُكتب الحياة لمشروع الانفصال، في وقت يختلف الشماليون والجنوبيون على الحدود الفاصلة بينهما؟
فمصير الولايات السودانية الثلاث النيل الأزرق وجنوب كردوفان والوحدة، وهي واقعة على حدود العالم الأفريقي والعربي، غامض وملتبس. والولايات هذه غنية بالنفط الذي باشرت «الشركة الوطنية الصينية» استخراجه. وفي كانون الثاني (يناير) المقبل، يُبت مصير الولايات هذه. فإما أن تختار الالتحاق بالشمال، أو الحكم الذاتي. وحددت محكمة العدل الدولية حدود أبيي الغنية بالنفط، وأقرت تنظيم استفتاء فيها على مصيرها في وقت واحد مع الجنوب. ولكن من يقترع في الاستفتاء؟ فبحسب قرار محكمة لاهاي، يُستفتى سكان ابيي من قبيلة الدينكا وغيرها من السودانيين. وترى سلطة الخرطوم أن قبيلة الميسيرية الكبيرة التي تنزل أبيي نحو 6 أشهر يحق لها الاقتراع. وإذا صوتت القبيلة هذه رجحت كفة الشمال في الاستفتاء. و «على رغم أن علاقات حسنة تربطنا بالميسيرية، لن نقبل بأن يقترعوا في أبيي وكأنهم من شعبها. فمثل هذا الاقتراع قد يبعث الحرب»، على ما يقول كيول دينغ، زعيم قبيلة الدينكا. ويتحدر الزعيم هذا من أسرة عريقة ومعولمة، وقبيلة نافذة. وشقيقه فرنسيس هو مستشار أمين عام الأمم المتحدة الخاص في شؤون تفادي أعمال الإبادة.
وأبيي هي مدينة أكواخ، ودُمرت قبل عامين في هجوم هجرت أهلها. والمهاجمون من قبيلة الدينكا يوالون حكومة الشمال. والهجوم، وهو شن على رغم التزام عملية السلام، مرآة تمسك الخرطوم بأبيي، ورفضها خروج المنطقة من سيطرتها. وينظر زعيم الدينكا بعين القلق الى بروز مجموعات مسلحة في أوساط الشباب الميسيريين، والى تشجيع الحكومة، وتحريضهما على حمل السلاح، والتمرد على الجيل الأكبر سناً وزعماء القبيلة التقليديين. وينفي نائب محافظ ابيي ما يسوقه دينغ. ولكن الكلام على ظهور ميليشيات مسلحة في قبيلة الميسيرية يتناقله كثر في أوساط أخرى.
واحتمال انفجار النزاع غير مستبعد، شأن احتمال تفشيه في المناطق المجاورة وربما السودان كله. ولا يخفى على أحد أن قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» مرابطة على تخوم أبيي استعداداً للدفاع عن الدينكا. ويقلق المجتمع الدولي احتمال إعلان الجنوب استقلاله من طرف واحد، إذا أُرجئ موعد الاستفتاء. وعلى خلاف حسبان بعضهم، ليس النزاع في ابيي نزاعاً بين مسلمين ومسيحيين. فزعيم قبيلة الدينكا مسلم، شأن عدد من أشقائه. وقبيلة الدينكا مختلطة، تجمع مسيحيين ومسلمين. ومدار الحرب، إذا نشبت، هو على الأرض والنفط والماشية.
* مراسل، عن «لو فيغارو» الفرنسية، 18/5/2010، إعداد منال نحاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.