دور الاب داخل البيت، استقر في ذاكرتنا المؤقتة بصورة المشهد الاكثر شيوعاً في المجتمع، والذي لا يتعدى المراقبة عن بعد، والاطمئنان على اوضاع الصغار من خلال الام، حيث اسند اليها اولئك الاباء عن رضا وقناعة القيام بالاشراف المباشر على عالم الصغار مع اكتفائهم بدور جزئي لا يتعدى دقائق قصيرة يلعبون فيها مع الاطفال، إيثاراً للسلامة ورغبة في راحة البال!! كما ان ذاكرتنا القديمة التي تكونت عبر سنوات الخبرة والمعايشة لسلوك الآباء داخل البيوت تضافرت مع الروايات الشفوية المتواترة في التأكيد على نمطية الصورة المرئية الماثلة للعيان لذلك الاداء البسيط داخل المنزل، وبالتحديد فيما يختص بهذا الجانب. ان توافر الروايات عن حيادية الرجل في هذا الجانب لا يعكس بالضرورة قناعة الامهات، وانما ربما يكون ناتجاً عن مبدأ الرضا بالامر الواقع بعد محاولات عديدة لجر رجل الاب للمساهمة في الاهتمام المباشر بالاطفال باءت معظمها بالفشل، وظل الرجل ثابتاً على رأيه في كثير من الحالات، خشية منه بانه لو تقدم وابدى الموافقة على خوض غمار الرعاية المباشرة للاطفال ان يصاب بالارهاق والتوتر، وهو مالا يرحب به، او يتمناه. ولكن تجارب حديثة شهدتها الولاياتالمتحدة الاميركية اكدت انه بإمكان الاب ان يمارس دور الرعاية لابنائه، وهو مستمتع ومتجاوب الى المدى البعيد، دون ان يشعر بأي ارتباك، او يصاب باي لون من الوان العذاب او الضجر!! ورغم تأرجح مستقبل عدد كبير من الاسر في تلك البلاد، الا ان نمطاً جديداً من الحياة الخصبة، والغنية بالمشاعر الدافئة تجاه العائلة، قد بدأ ايضاً في اثبات وجوده على الخارطة الاجتماعية، واستلم موقعاً متميزاً في السلسلة العائلية التي تتفاوت في ذلك البلد تفاوتا شديداً، بين حلقات متماسكة ترتبط بها الاسر الناجحة وبين حلقات بالغة الضعف تعبر عن انخفاض روح الانتماء الى ذلك الرباط الاجتماعي الذي يتجسد في منظومة الاسرة كأوثق رابطة اجتماعية عرفتها البشرية منذ فجر التاريخ. ومن الثابت وفق الإحصائيات والأرقام إن ثمة خطاً تصاعدياً في اتجاه نمو روح التعاون والمشاركة في الأدوار على نحو يثير الإعجاب، ويغري بتأمل التجربة، والوقوف على أبعادها ونتائجها. ووفقاً لتقرير مكتب الولاياتالمتحدة للإحصاء الصادر في مطلع الألفية الجديدة، وهو الإحصاء الأحدث في هذا الباب، فان 109 ملايين أب لأولاد دون الخامسة عشرة من العمر عرفوا أنفسهم بأنهم الشخص الأساسي الذي يعتني بالأولاد. ويرى الآباء الملازمين للمنازل بان عددهم تزايد بشكل ثابت خلال التسعينيات مع عودة المزيد من زوجاتهم الى العمل، ويستشهد ببتر بايليز وهو ناشر الصحيفة الأخبارية الوالد الملازم للمنزل بقائمة المشتركين في هذه الصحيفة كدليل على هذا التزايد. فقد ازداد عدد الاشتراكات من مائة إلي ألف بين عامي 94 و99. ويتلقى موقعه على الإنترنت اكثر من الفي استفسار في الأسبوع، ويتلقى موقع آخر تابع للمنشورة الاخبارية آباء بدوام كامل التي موقعها نيو جيرزي اكثر من 1500 استفسار في الشهر. ويقول بايليز: لقد تقدمنا من الوضع المستغرب الى غير الاعتيادي وبايليز هو أب لولدين ملازم للمنزل. ويضيف: لقد بدأنا الان نرى نتائج تزايدنا، المزيد من المحاضرات والكتب حول الابوة، والمزيد من الآباء مع الاولاد في الاعلانات، ومن برامج ابوة الاطفال نسبة لبرامج امومة الاطفال. ويقول ويلسون الذي يلتقي آباء ملازمين للمنازل آخرين عبر شبكة الانترنت ويحضر مؤتمرات للآباء: لقد التقيت اشخاصاً قالوا في البداية انهم موسيقيون، او كتاب، او مدربون. لكنهم كانوا حقاً يعملون لبضع ساعات في الاسبوع فقط. اما الان فأصبح بالامكان ان تقر بأنك اب ملازم للمنزل. ارأيت اخي القاريء هذا التوضيح الذي حملته الفقرة الاخيرة من كلام ويلسون انه يسمى مجموعة الازواج الذين لديهم عمل كالفن، او الكتابة، او التدريب، ويمارسون دوراً ابويا كاملا في البيت آباء ملازمين للمنزل ارى ان هذا التفسير يزيل كثيراً من الالتباس حول معانٍ عميقة مرتبطة بهذا الدور. عن البيان الاماراتية