فقد الادب الشعبي احد آخر عمالقة الرواية الرواي الشهير رضيمان بن حسين الشمري، رحمه الله، بعد مرض طويل استمر يعانيه طوال عشرين عاماً وبهذا فقدنا أحد أساطين وأعلام الرواية الشعبية، فكان رحمه الله تعالى، قد أعطى الساحة الشعبية كثيرا من رواياته خلال أكثر من أربعة عقود متتالية، وأصبح، عفا الله عنه، مرجعاً ومصدراً للرواية الشعبية، فلم يكن، رحمه الله، مجرد مسليا أو حكواتيا أو قصاصا بل كان عمدة فيما يروي ومن الرواة الذين تطمئن إلى روايتهم وتثق بها وعلى جانب من الصدق، وبحق فإن الراوية رضيمان، رحمه الله تعالى، الرشيد.. يعد بحق ذاكرة الأدب الشعبي الخليجي خزانة هائلة من الموروث الشعبي ومكتبة متكاملة فيها أصناف وألوان الأدب الشعبي المنوع والجيد هذا فضلاً أنه ينفرد بشوارد من الأبيات النادرة، وقصص وحكايات مليحة لا توجد إلا في ذاكرته الحديدية بطيئة النسيان. وكان هو رحمه الله يحرص على حفظ النادر من التراث الشعبي وبهذا تميز من بقية الرواة في الوقت الحالي الذين هم من أقرانه وعمره وكنت شاهدته أول مرة بمنزله عام 1425ه وأجريت معه لقاء وقبلها كنت أسمع عنه واتصل به أحياناً فلما رأيته عن قرب انبهرت بموسوعيته بالتراث الشعبي وإحاطته بهذا التراث، وكنت أظن أنه راو مثل الرواة الذين شاهدتهم متخصصين في أشياء معينة، ولكني وجدته فوق ما أسمع عنه بكثير وخلال هذه السنوات الماضية تكررت زياراتي له وإن كانت ليست بكثيرة لكنها كونت انطباعاً كبيراً عن شخصيته الجذابة وأنه قامة من قامات الرواية الشعبية في بلاده. هو آخر عمالقة الرواة وأسطورة في الحفظ وقد تحدث عدد من الباحثين والرواة المهتمين في الأدب الشعبي عن الفقيد رحمه الله، بما يعرفونه عن اسهاماته. وفي البداية يتحدث الباحث والأديب عبدالله بن مشعل بن رشيد قائلاً: يتميز رحمه الله برسوخ معرفته وعمق خبرته بالتراث الشعبي وحافظته القوية، وذاكرته المدهشة التي تختزن فيها كنوز من الرواية الشعبية وغيرها من تراث الحاضرة والبادية، حتى أنه يحفظ قصائد لشعراء شعبيين من العراق وسوريا والأردن، وبهذا امتاز رضيمان رحمه الله تعالى من بقية الرواة الذين عرفتهم لأنه ليس متخصصا في شعر منطقة أو قبيلة بل هو إن صح التعبير كشكول للأدب الشعبي ولاشك أن فقدنا له خسارة كبرى ولكنه قضاء الله عز وجل ونحن راضون به. صورة للفقيد في شبابه ويضيف الرشيد قائلاً: إن رضيمان من خلال قربي منه خلال هذه السنوات وجدت أنه ذو صدقية كبرى وعظمى في روايته والأمانة في النص الذي يرويه، والأغلب في النصوص الشعرية إن لم نقل كلها، أن يأتي بها كاملة، وكنت أحياناً أجلس أنا وإياه ونطالع بعض المخطوطات الشعرية القديمة فأقرأ عليه ويصحح الكثير من النصوص، ولهذا استفدت منه في هذا الجانب المهم، وهو تصحيح النصوص ومقابلتها وهو رحمه الله دقيق جداً في رواية النص الشعري، وقلما أن أروي نصا شعريا إلا ويأتي بالمناسبة والقصيدة، ويؤكد الرشيد صدق رضيمان أن الشيخين عبدالله بن خميس رحمه الله والشيخ أبوعقيل الظاهري يرجعان إليه في رواياته ويثبتانها في مؤلفاتهما وكتاب الشيخ أبي عقيل الشعر العامي بلهجة أهل نجد دليل قاطع وبرهان ساطع على أن رضيمان مرجع وثقة فيما يروي. أما الأستاذ فهد ابن رضيمان بن راويتنا الذي يعد شبه ملازم لأبيه في جلساته فيقول: إني أعزي نفسي وأسرتي أولاً وثانياً وأعزي محبي الوالد رحمه الله، الذي كان مثالاً لأب بكل ما تحمل معاني كلمة الأبوة فمنذ أن عقلت الدنيا وبدأت أميز الحياة أنا وبقية إخواني لم نر والدنا رحمه الله إلا حنوناً رؤوفاً بنا، بل إنه دائماً يوجه النصائح والتوجيهات لنا بالتمسك بالفضائل واجتناب الرذائل. فايزالحربي ومن جانب آخر يذكر الباحث والمحقق المعروف الأستاذ فايز بن موسى الحربي عن صلته بالفقيد حيث كانت تربطه برضيمان علاقة تجمعهما مائدة الأدب الشعبي التراثي يتحدث الحربي قائلاً: تألمت كثيراً عندما علمت برحيل الراوي الكبير رضيمان الشمري وأدعو الله له بالمغفرة والرحمة لقد كان الفقيد له مكانة خاصة عندي وسمعت به من خلال برنامج من البادية أيام ازدهار الأدب الشعبي وعصره الذهبي على يد عدد من فطاحلة الإعلام الشعبي أمثال منديل الفهيد وعبدالله الزامل وعبدالله بن خميس وإبراهيم اليوسف، ثم تعرفت إليه في السنوات الأخيرة والتقيت به بضع مرات فعرفته عن قرب وعمق فوجدته أسطورة في الحفظ مع ما يتحلى به من روح الدعابة والفكاهة ما جعله محبباً ومقرباً لدى وجوه المجتمع. ويلفت الأستاذ فايز الحربي على أن المرض كان ملازماً لراويتنا رضيمان إلا أن البشاشة والأريحية والمرح كانت هي سجيته الدائمة ويؤكد المحقق الحربي على خسارة الأدب الشعبي للراوية رضيمان قائلاً إننا فقدنا بموته واحداً من آخر عمالقة رواة الأدب الشعبي والتاريخ المحلي، وقد كنت أنوي تسجيل بعض ما لديه من روايات بصوته رحمه الله ولكن الأجل قد سبقني. ومن أصدقاء رضيمان الملازمين له طوال الخمس والثلاثين سنة الأستاذ محمد بن عباد الذي كان متأثراً بفقده يقول ابن عباد: إنني عرفت الراوية رضيمان عام 1395ه في حي ابن غنام بشارع عسير عندما كنت جاراً له فوجدته رجلاً خفيف الظل لم أجده يوماً من الأيام عابساً أو متجهماً أو ضائق الصدر، بل كان مستأنس الصدر فهو صديق قديم أعتز بصداقته ولا يمر أسبوع أو عدة أيام إلا وأشاهده وكنت إذا غبت عنه أياما اتصل بي ودعاني إلى منزله أو يزورني في منزلي وسافرت معه في داخل المملكة وخارجها والسفر تعرف به أخلاق وسجايا الرجال، فكان نعم الرجل في الحضر والسفر عاملاً بحق الصداقة التي بيني وبينه وقد حفظها وحفظتها له وداوم عليها رحمه الله وعفا عنه. أما الأستاذ أحمد بن رضيمان فقد سألته عن تسجيلات والده للأشرطة قال إنني سجلت بعض الأشرطة بصوته وهي مختارات متنوعة من الأدب الشعبي التراثي ويشير الأستاذ أحمد إلى أن والده رضيمان في السنوات الأخيرة من حياته وفي المجالس التي يدعى إليها ما كان يحرص على إلقاء القصائد والقصص مثلما كان بالأول والسبب في ذلك أن الوالد يرى أن المجالس أصبحت لا يكون حديثها إلا في شؤون العقار والتجارة، فلهذا كان في اعتقاده أنه لماذا يهدر ثروته التراثية في مجالس لا يستفيدون من أحاديثه.. رحم الله أبي فلقد تعلمنا منه الأخلاق الحميدة والتجارب الحياتية. عبدالرحمن السويداء الأديب الأستاذ عبدالرحمن بن زيد السويداء لما بلغه خبر وفاة رضيمان تحدث قائلاً من أشد وقع المفاجأة المفجعة على قلب الإنسان خبر وفاة صديق له إذا علم فجأة فإنه يشعر بالألم القاسي يعصف بقلبه ويهز وجدانه، فلقد علمت بوفاة الصديق العزيز رضيمان بن حسين الشمري الذي قابلته آخر مرة بحائل وكانت صحته طيبة، ووصف لي منزله بحائل وكنت أزوره بين الحين والآخر ففوجئت بخبر وفاته وكان خبراً مؤلماً وقع على سمعي وقع الصاعقة ويذكر الأستاذ السويداء، أن معرفته بالراوية رضيمان كانت قديمة جداً تتعدى إلى خمسة عقود من الزمن قوامها الصفاء والإخاء وحب الأدب الشعري يقول السويداء: فقد عرفته منذ أكثر من نصف قرن وتبادلنا الزيارات والجلسات الجميلة التي أساسها الاستمتاع بالشعر الشعبي وكان راوية للأشعار القديمة يروي قصة القصيدة ثم يأتي بها فنمضي أسعد الأوقات، وكان رحمه الله كثير الاعتزاز بنفسه وبالقصائد التي يرويها على أنها هي الأصح من غير غرور، ويورد ما يؤيد قوله من الأدلة والبراهين، ويذكر الأديب السويداء أن راويتنا رضيمان ليس مقتصراً على رواية الأشعار والقصائد بل هو راوي للتاريخ الإقليمي، ولديه روايات تاريخية شفهية قد أخذها عمن عاصرها أو برواية الرواة الذين أخذ عنهم، ويشير السويداء إلى أنه اقترح على الراوية رضيمان أن يدون مروياته ولا يتكئ على الحفظ لأن الحفظ غير دائم يعتليه النسيان، ورد عليه رضيمان بأنه قد دون محفوظاته ويوضح الأستاذ السويداء قائلاً: إن رضيمان نديم الأمراء والشعراء والوجهاء يستأنسون بوجوده بينهم وكان زهرة المجالس بمروياته الشعرية والقصصية، وأذكر أنه زارني في منزلي بمعية الشيخ عبدالله بن خميس رحمه الله وقد أمضينا ليلة شعرية حتى قرب أذان الفجر لا يكاد يتوقف الفقيد رضيمان حتى يرفع الشيخ عبدالله عقيرته في قصيدة أو رواية يؤديها رضيمان أو يصححها، ومن في المجلس مستمتعون بما يسمعون من القطبين، رحمك الله يا أبا عبدالله رحمة الأبرار وأسكنك فسيح جناته. وفي لقاء بالراوية والشاعر نواف بن بصيص وهو احد أصدقاء رضيمان القدامى يقول إن صداقتي برضيمان منذ عام 1386ه حيث كان هو والشيخ عبدالله بن خميس والراوية منديل الفهيد، رحمهم الله يزورون الوالد بمنزله بالرياض وهنا عرفت رضيمان وأصبح أخاً وصديقاً نتبادل أنا وإياه المودة والمحبة واستفدت منه كثيراً وزارني بالمجمعة مرات كثيرة في منزلي وكانت نفسه مرحة بشكل مذهل ولديه حضور البديهة وكانت النكتة والطرافة دائماً على لسانه وكثيراً ما كنت أسأله وأجد الجواب المفيد عنده رحمه الله، فهو راوية ثقة ثبت لا يغير ولا يبدل في الرواية، رحمه الله وعفا عنه.