منذ ان تم اقرارها قبل تسعة اشهر مضت لتحديد التوجه الاستراتيجي للاتحاد الاوروبي اخضعت المعاهدة الدستورية للنقاش في الاجتماع الاوروبي الاسبوع الماضي فكان التوقيت غير موات اذ جاء في ضوء فجوة عميقة في العلاقات العبر اطلسية حيث هددت الولاياتالمتحدة بالانسحاب من قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة ان لم يعط جنودها حماية تفضيلية تمنع تقديمهم للمثول امام محكمة الجنايات الدولية وذلك لخوفها من اتهامهم بارتكاب جرائم حرب. في ما يتعلق بمحكمة الجنايات الدولية استطاع خافيير سولانا رئيس الدبلوماسية الخارجية الاوروبية مدعوما ببريطانياوفرنسا من حشد جبهة اوروبية متماسكة ومتحدة.لكن بالنسبة للقضايا الاخرى وبصفة خاصة السياسة الخاصة بالشرق الاوسط لم ينقسم الاعضاء الخمسة عشر في الاتحاد الاوروبي على انفسهم فقط بلا ظلوا في معظم الاوقات يعبرون لواشنطن وبشكل مباشر عن وجهات نظر مختلفة ومتباينة. بعض المحللين رأوا في هذه الازدواجية اضعافا للصوت الاوروبي في وقت بالغ الحساسية "فهذه اعظم فرصة تتاح للاوروبيين فرصة ليظهروا وقوفهم معا" على حد قول هيلين والانس خبيرة الشئون الاوروبية في مركز روبرت شومان للدراسات المتطورة في فلورنسا التي تضيف بان هناك "قصور نظر في اوروبا يجعل من الصعب على السياسيين القوميين ان ينظروا للصورة بحجمها الواسع ويروا ما يجب تقديمه على غيره" بعض الدبلوماسيين الاوروبيين يقولون ليس هناك ما يدل على ان ادارة الرئيس بوش ستصغي لاصوات الاخرين. ولهذا فهم يعولون على كولن باول ليمثل وجهات نظرهم لكنه فقد قدرته في ما يبدو على التأثير بالنسبة للشرق الاوسط. احد السفراء قال" ان باول هو المحاور نيابة عنا لكنه خسر ارضية كبيرة في الاسابيع الاخيرة. وبالنسبة لنا فان المشكلة الكبيرة في التعامل مع ادارة الرئيس بوش هو ان نظرتها للامور ايديولوجية وليست سياسية". غير ان هناك من يرى في هذا الكلام تغطية على عجز اوروبا .فقد قال استيفن ايفيرتس المختص في العلاقات العبر اطلسية في مركز الاصلاحات الاوروبية في لندن" انظر للتضارب والتناقض في السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي..فهي في مجملها تمارس نقدا لاذعا للسياسة الخارجية الامريكية وهي مرتاحة لتوجيه هذا النقد لكن ماذا عن الطريقة التي يدير بها الاوروبيون سياستهم الخارجية . احد العوامل وراء عدم التماسك في تلك السياسة هو وجود ضعف في وضع سولانا فهو قد اختير من قبل الدول الاعضاء ليكون ممثلهم الاعلى لكنه لم يعط التفويض الذي يمكنه من ابتدار السياسات الخارجية.موظفوه يشكون من ان ميزانية الثلاثين مليون يورو التي تخصص كل عام لتنفيذ هذه السياسة تحد وتعيق قدرته على فرض مكانته كأن يقوم بتعيين مستشارين لديهم خبرة ودراية. على المدى البعيد قد تساعد الاتفاقية الدستورية في حل مشكلة الازدواجية والغموض هذه لصالح الدول الاعضاء او المفوضية الاوروبية.بعض الدول الكبرى مثل فرنساوبريطانيا بصفة خاصة قد ترغب في تعزيز وضع المجلس الوزاري تحت رئيس للاتحاد الاوروبي. وهذا سيعطي تفويضا اوسع لسلطات سولانا او من يأتي بعده. اما البديل الذي تفضله الدول الاصغر فهو تقوية سلطات المفوضية الاوربية. وعلى المدى القصير فان السياسة الخارجية الاوروبية تظل عرضة للازدواجية والتناقضات الداخلية. وافضل مثال على ذلك هو الطريقة التي يعالج بها الاتحاد الاوروبي الوضع في الشرق الاوسط . ففي قمة سيفيل الاخيرة قال الزعماء الاوروبيون انهم ملتزمون بقرار سابق يعترف بزعامة عرفات للشعب الفلسطيني ولكن عندما اعلن البيان الختامي للقمة لم تظهر اي اشارة للسيد عرفات فيه. تريد بريطانياوفرنسا التأثير على السياسة الامريكية من خلال السيد سولانا وقد اعيد انتخاب جاك شيراك رئيسا لفرنسا ويتمتع حزبه بالاغلبية في الجمعية التشريعية (البرلمان) كما ان طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني ابدى اهتماما كبيرا بالسياسة الخارجية وبصفة خاصة اهمية التأثير على الولاياتالمتحدة. وهناك من يرى ان شيراك وبلير في وضع قوي يمكنهم من دفع المصالح الاوروبية الى الامام اذ كلاهما يتمتع باغلبية واضحة في بلده وكل منهما عضو في مجلس الامن ولهذا ينبغي ان يكون بمقدورهم فعل شيء ما." غير ان الدبلوماسيين الامريكيين يتخوفون من الدبلوماسية الفرنسية ولا يكترثون كثيرا للاستماع بحرص الى ما يقوله شيراك بينما نجد ان بلير موزع بين العمل على حماية والمحافظة على العلاقة الخاصة بين لندنوواشنطن وبين دعم الانتقاد الاوروبي للولايات المتحدة. وقد قال دبلوماسي اسباني مؤخرا " نحن مازلنا راغبين في ان نعتمد على بلير ليمارس بعض التأثير على واشنطن لكننا احيانا لا نعرف اين يقف بلير". هذه العوامل مجتمعة تجعل من الصعب على سولانا هندسة سياسة خارجية اوروبية قادرة على خلق نوع من التكافؤ او الموازنة مع السياسة الامريكية. فريبة وتشكك واشنطن في نوايا ودوافع المواقف الاوربية في بعض القضايا كقضية الشرق الاوسط سيتعمق اكثر في ضوء عدم معرفة من الذي يتحدث فعلا باسم اوروبا. عن الفاينانشيال تايمز