الحوارات التي اجراها مكرم محمد احمد رئيس مجلة المصور القاهرية مع قادة الجماعة الاسلامية بالسجون المصرية سيبقى لمدة غير قليلة حديث الشارع المصري السياسي، فقد خلقت هذه الحوارات التي نشرت على مدار عدة اسابيع جوا من المناقشات الساخنة وحركة المياه الراكدة وطرحت تساؤلات عديدة اقربها الى الذهن ان ذلك تمهيد لقرب صدور قرارات بالافراج عنهم او البعض منهم.. ثم المواجهة المحتملة بين الجماعة وجماعة الاخوان المسلمين.. وسؤال اهم: ان كان ذلك تم بناء على طلب من الحكومة الامريكية للوصول الى اجابات لاسئلة كثيرة تشغل بال امريكا وتبحث عنها الادارة في اطار خطتها لمحاربة الارهاب. (اليوم) التقت بصاحب هذه الزوبعة الاعلامية السياسية الخطيرة.. مكرم محمد احمد نقيب الصحفيين المصريين لاكثر من دورة.. ورئيس مجلس ادارة دار الهلال ورئيس تحرير المصور حيث تحدث عن اللقاء الذي جمعه بقادة الجماعة الاسلامية بسجن العقرب بليمان طرة وكان الدافع وراء اللقاء البحث عن اجابات لتساؤلات حول كتب الفها هؤلاء القادة وهم في السجن بعد مراجعة فكرهم القديم والتي تتحدث عن حرمة الغلو في الدين وحرمة تكفير المسلمين، وتسلط الاضواء على ما وقع في الجهاد من اخطاء جسيمة، وتعيد النظر في المفاهيم الخاطئة التي شوهت دعوى "الحسبة" وكانت الكتب اربعة وبعد قراءتها تحفز لاجراء هذه المقابلات. يقول مكرم محمد احمد اللقاء كان يحضره كرم زهدي رئيس الجماعة وناجح ابراهيم مفكرها، وصفوت عبد الغني المتهم الاول في قضية اغتيال رئيس مجلس الشعب السابق رفعت المحجوب، وعدد من اعضاء مجلس شورى الجماعة وعدد من من صدرت ضدهم احكام الاعدام حيث بدأ الحوار بنقاش صريح للهواجس المشتركة بين الطرفين. وأشار مكرم محمد احمد الى انه كصحفي تابع عن قرب مشكلة جماعات التطرف في مصر وكاد يكون احد ضحاياها واعتقد ان مبادرة وقف العنف التي اعلنتها الجماعة الاسلامية في مارس 1997 بعد ان تبين لهم ان مفاسد هذا الطريق اكبر واخطر كثيراً من منافعه، وان ما يفعلونه لا يمت للجهاد بمعناه الشرعي الصحيح باي صلة ولا يحقق هداية الخلائق الى طريق الله القويم، ولكنه يفتت وحدة الامة ويضعف من روح مصر وقدرتها على مواجهة عصرها، ويسيء الى وجه الاسلام ويقضي على حقوق مواطنين ابرياء راحوا ضحية اقتتال بغيض لا هدف له، يخاصم الشرع والدين، فكل هذا جعلني اعتقد ان هذه المبادرة ربما تنطوي على اهداف عملية أكثر من ان تكون مراجعة شاملة وصادقة لفكر هذه الجماعة ثم ان هواجس قيادات الجماعة التي التقيت بهم والذين وافقوا على هذا اللقاء كان في ظن بعضهم انني اهدف الى التشهير بهم او تصيد الاخطاء او ابتسار الحقيقة او مجرد الحصول على خبطة صحفية مهمة، فسرعان ما عبر الحوار تلك الهواجس لتصبح الصراحة هي لغة الخطاب داخل القاعة فالاسئلة كانت صريحة ومباشرة والاجابات شجاعة غير خجولة تعترف بالخطأ وتكشف عن فكر جديد وشخوص جدد، صقلها عمق الدراسة على امتداد سنوات السجن التي هيأت لهم فرصة قراءة كل امهات الكتب الاسلامية، وكل مراجع الفقه وكل تفاسير القرآن وكتب الاحاديث، وهم يراجعون فكرهم القديم. وقال ان الحوار طاف بكل الاسئلة التي يمكن ان تخطر على البال للبحث عن السند الشرعي لهذه الرؤية الجديدة، وفتش عن مقاصدها ونياتها باختيار شجاعة اصحابها حتى عندما سألت كرم زهدي رئيس الجماعة في نهاية الحوار: ألا يستحق الشعب المصري اعتذاراً علنياً عن كل ما فعلتموه قبل المبادرة؟ رد بشجاعة نعم نحن مدينون لمصر باعتذار علني عن اثم كبير اساء لمعنى الجهاد واحدث ضرراً بالغاً اصاب المجتمع المصري نتيجة فهم قاصر للدين. وأضاف مكرم محمد احمد ربما يكون من حق هؤلاء الذين ملكوا شجاعة مراجعة فكرهم الخاطئ، وملكوا شجاعة الاعتراف بحق المجتمع المصري في اعتذار علني عما فعلوه ان يطلبوا غفران الله وغفران الناس، وربما يكون من حق هؤلاء، وقد كنت خصماً عنيداً ولدوداً - ولا ازال - لهذه الجماعات ان اقول اخيراً انني الان اكثر الناس تأثراً بهذا اللقاء الذي تم داخل سجن العقرب واكثرهم اعتقاداً بصدق مواقفهم الجديدة. هذا اللقاء استحوذ على تفكير المتابعين للحركة الاسلامية في مصر ولفت نظر المراقبين لها حيث اعتبر انه تطور كبير في النظر الى فكر الجماعة الاسلامية التي تعد احد اهم اعمدة الاتجاه الديني في مصر والتي يبلغ عدد اعضائها المسجونين اكثر من 20 الف شخص، وقد علق عدد من المتابعين على هذا اللقاء الذي دار بين رئيس تحرير المصور وقيادات الجماعة الاسلامية فقال ممدوح اسماعيل المحامي البارز ووكيل مؤسس حزب الشريعة، تحت التأسيس، على الحوار الاخير مرحباً بما حمله هذا الحوار من طابع المراجعة الفكرية لكنه رأي ان المشكلة تكمن في التخوف من تحول الجماعة الاسلامية الى جماعة مستأنسة للدولة وهو ما بدأ ظاهراً في المجاملات التي ساقها قادة الجماعة للدولة رغم ما يجري من عصف بالحريات وعدم السماح بوجود معارضة استمرار الاعتقالات. واضاف اسماعيل انه لا اعتراض مطلقاً على المراجعات التي ساقتها الجماعة الاسلامية ولكن التخوف الاخر هو في ان تتحول الجماعة الى اداة لضرب الاتجاه الاسلامي في مصر مشيراً الى ان الاخوان والجهاد والسلفيين سيكونون على سلم الاولويات اذا ما صح هذا التحول الذي لا يريده احد، ويكشف اسماعيل عن ان الافراج عن المعتقلين من الجماعة الاسلامية هو حق قانوني لهم وليس تفضلاً من الدولة، مرجعاً ذلك الى انتهاء عقوبات معظم المعتقلين وما اثبتته الجماعة من مصداقية منذ طرحها لمبادرة وقف العنف في مارس عام 1997. ويتوقع اسماعيل انه في حالة صحة ما تردد عن نية الدولة في اعادة المساجد التي كانت الجماعة تنشر فكرها من خلالها اليها، ان تنشأ فكرة تحول الجماعة الى جمعية دينية تخضع لقانون الجمعيات الاهلية ويتم السماح لاعضائها بممارسة نشاطهم تحت اشراف الدولة مباشرة. ويصف اسماعيل التحول الذي حدث لكرم زهدي رئيس الجماعة بانه يتصف بالانقلابية السريعة والاندفاع السريع ايضاً مدللاً على ذلك بانه قام منذ سنوات بوضع كتاب "حتمية المواجهة" والذي دعا فيه لقتال الدولة ثم فجأة يقود بحماس شديد مبادرة وقف العنف والمراجعات الفكرية الحاصلة مؤخراً. واضاف ان عمر التلمساني قام في بداية الثمانينات بدور قريب لما يقوم به كرم زهدي في قيادة المراجعات الفكرية للاخوان بالسجون وبعدها تم الافراج عنهم. وفي جماعة الاخوان المسلمين بدا الترقب واضحاً في كلمات قادتها رغم التأكيد على ان الامر لا يعنيهم في شيء من قريب او بعيد الا ان كلماتهم لا تخفي الاندهاش مما يجري، فيرفض الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح احد قيادات الجماعة الحديث ما يردده البعض عن صفقة بين الجماعة الاسلامية والحكومة لمواجهة جماعة الاخوان المسلمين، ويحذر من وقيعة بين الفصائل الاسلامية المختلفة. وعلق الدكتور عصام العريان قائلاً ان الحكومة لا تريد الاخوان ولا غيرهم وان من غير المتصور ان تكون هناك مواجهة بين الجماعة والاخوان في الفترة القادمة لصالح الحكومة. ويقول مصطفى مشهور زعيم الجماعة المحظورة ان الاخوان ليس لهم صلة بما يجري حالياً وانهم متمسكون بأسلوبهم البعيد عن العنف او اللجوء للقوة وانما فقط بالتي هي احسن والصبر على المحن والثبات والهدوء. ويقول نحن لا نعارض الجماعة الاسلامية في الابتعاد عن العنف ويا ليتهم يغيرون واقع الشعب ويكونون رأياً عاماً اسلامياً جيداً، ويضيف انهم يقولون - الان وبعد الحوار الذي اجراه مكرم محمد احمد - نحن دعاة لا قضاة وهو الكلام الذي قاله الاخوان منذ سنوات طويلة ولكن لن يحدث تعاون مع الجماعة الاسلامية ولا توجد لدينا فكرة الالتقاء او الاندماج. ويضيف مشهور هم احرار مع الحكومة والحكومة كذلك حرة معهم ونحن مطمئنون الى سلامة طريقنا واهل له ودعوتنا تتسع دائرتها اكثر ولا ننافس الحكومة على الحكم وكل من يطبق الشريعة الاسلامية سنكون معه لكن شعوري يؤكد في ذات الوقت ان الحكومة تقاوم الاخوان لانها تعلم انهم اغلبية وان اية انتخابات حرة سوف تؤكد ذلك.