تستطيع المملكة أن تحقق أكثر ما تحلم به وتسعى إليه، بأن يكون لديها قطاع سياحي نموذجي وفريد، يعتمد على ما تكتشفه هيئة التراث من آثار منوعة، تحكي حقباً ضاربة في أعماق تاريخ المملكة القديم، هذه الآثار عندما تتكامل مع بعضها البعض، فهي توثق لتاريخ الجزيرة العربية الممتد إلى آلاف السنين. أتابع عن كثب منذ سنوات اكتشافات الآثار، وأرى أنها لم يكن لتتحقق بهذا الزخم لولا العزيمة التي تتسلح بها رؤية 2030، عندما وعدت في صيف 2016 باستحداث قطاع سياحي متكامل الأركان، قادر على اجتذاب السياح من عرب وعجم، في إطار الهدف الأسمى الذي أعلنته الرؤية بإعادة صياغة مفردات الاقتصاد السعودي، ورفده بمصار دخل جديدة، غير مصادر دخل النفط. لست هنا للإشادة بالرؤية وبرامجها ومستهدفاتها، والتغني بما تنجزه من نتائج كثيرة ومتنوعة، وإن كانت تستحق وصف "مبهرة"، ولكن قصدت هنا الإشارة إلى أن المملكة كما هي عائمة على بحر من النفط، فهي عائمة على بحر من الآثار العتيقة، وإن كانت المملكة نجحت ومازالت في استخراج النفط من باطن الأرض، فهي اليوم بدأت تستخرج آثارها المدفونة منذ آلاف السنين، وتعلن عن نفسها دولة تراث وآثار من العيار الثقيل. تنوع الآثار السعودية المكتشفة بين نقوش حجرية، وعملات قديمة، وكتابات وحفريات، ورفات حيوانات بائدة، وغيرها الكثير والكثير، يشير ويؤكد أن مستقبل السياحة القائم على الآثار قادم لا محالة، هذا المستقبل في حاجة إلى التوصل إلى آليات دقيقة وحكيمة تعلن عما يتم اكتشافه، ليس على مستوى محلي أو إقليمي، وإنما على مستوى عالمي، يوصل رسالة إلى سكان كوكب الأرض بأن السعودية دولة سياحية عتيقة، لديها مقومات سياحة نادرة وفريدة، قائمة على التراث والآثار والطبيعة الخلابة، هذه الآليات إذا ما توصلنا إليها "سريعاً"، سنحقق كامل تطلعات الرؤية وأحلامها بأن يكون لدينا قطاع سياحي يعادل دخله دخل النفط. ولعلي هنا أتذكر مشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري، الذي أقره مجلس الوزراء في عام 2014، هذا المشروع تستكمله رؤية 2030 بأفكار جديدة وآليات تنفيذ حديثة، وطرق مغايرة، أشعر معها بالتفاؤل بأننا على الطريق الصحيح سائرون. أستطيع التأكيد بأن الاكتشافات الأثرية الحديثة، تعد إنجازاً معرفياً مهماً، ومكتسباً وطنياً، يضع المملكة ضمن الخارطة الآثار العالمية ذات الامتدادات التاريخية العميقة والمرتبطة بجذور الحضارة الإنسانية، هذا هو الكنز الأكبر الذي يأتي بعد النفط في الأهمية والمكانة، ويتعين علينا جميعاً أن نستثمر هذا الكنز أفضل استثمار، ونعلو به، ونحقق من خلاله كل ما نسعى إليه ونطمح فيه