يشهد عالم المال والأعمال تغيرات جذرية، ليس بفضل التكنولوجيا الحديثة وحدها، وإنما نظرًا للكثير من الظروف المحيطة بهذه الأعمال، والتي تتطلب إحداث تغيير بنيوي على صعيد إنجاز العمل ذاته، ومن هذه التغيرات، على سبيل المثال، ذيوع مصطلح التوظيف الافتراضي، خاصة في الوقت الذي أمست فيه معظم الوظائف تتم عن بُعد. لكن هذا التوظيف الافتراضي ليس هو خيار الضرورة في الوقت الراهن فحسب، بل ينطوي على قدر كبير من المكاسب والمزايا؛ فالبنسبة لهذا الشخص الساعي للحصول على وظيفة ما، فسيكون من الأفضل له إجراء مقابلة العمل من مكان يناسبه، دون أن يكون مجبرًا على الذهاب إلى موقع الشركة. أما بالنسبة للشركة ذاتها فإن محاسن هذا النوع من التوظيف تظهر فيما بعد، أي عندما يتم إجراء العمل عن بُعد، وحين تجد نفسها معفاة من إيجاد مقار لهؤلاء الموظفين، ولا أجهزة كمبيوتر.. إلخ. كل ما سيكون عليه فعله هو دفع رواتبهم فقط، ثم الحصول على النتيجة التي تريدها.. وبما أنه من الواضح أن كل شيء في دورة العمل يُنجز عن بُعد، فإن إجراء مقابلات مع المرشحين أو المتقدم لهذا المنصب الوظيفي أو ذاك يجب أن تتم عن بُعد كذلك، ولكن ثمة أمور لا يجب إغفالها في هذا الصدد، وهي تلك المتعلقة بإدراك وملاحظة لغة الجسد لدى هؤلاء المرشحين، وإشعارهم بأن ثمة تواصل ناجح بينهم وبين من يجري معهم هذه المقابلات. صحيح أن هذه عقبات وصعوبات في سياق عملية التوظيف الافتراضي، لكن من الممكن التغلب عليها من خلال استخدام التقنيات الحديثة. تقول Irene DeNigris؛ رئيس الموظفين في iCIMS، ناصحة مديري التوظيف عن بُعد: "لا تفقد الاتصال البشري بالفيديو، لا يزال بإمكانك تقييم تعابير الوجه، ومستويات التفاعل عند التحدث فعليًا إلى المرشحين. إنها طريقة أسهل للتواصل في عالم اليوم". وعلى كل حال، فإن المقابلة الافتراضية أمر لا بد منه في ظل الحقبة الحالية، ومن ثم ينبغي التدرب عليها، سواءً من قِبل المرشحين والراغبين في الحصول على هذه الوظيفة أو تلك، أو من قِبل مديري التوظيف عن بُعد. وهناك الكثير من الوسائل التكنولوجية التي تعمل على تسهيل إجراء هذا النوع من المقابلات، فعلى سبيل المثال، تقدم LinkedIn الآن إمكانات إجراء المقابلات عبر منصة Talent Hub،وتسمح هذه الميزة الجديدة بمقابلة المرشحين في أي وقت وأي مكان، وكذلك تقييم مهارات الترميز، والكتابة، والتحدث، والمهارات الأخرى، بل التحقق من صحة المرشحين من خلال المراقبة الآمنة. لعل أبرز ما يمكن استنتاجه مما سبق أن التوظيف الافتراضي هو استجابة للمتغيرات والأحداث المتلاحقة التي تحدث بين آن وآخر وتفرض تغيرات جذرية على طبيعة العمل، وطريقة إنجازه. ليس هذا فقط، بل إن هذا النمط من التوظيف لن يكون ممكنًا ولا متيسرًا من دون الوسائط والوسائل التكنولوجية المختلفة، فهي الأدوات التي من خلالها يتم إجراء المقابلات الافتراضية، ودراسة المرشحين، وتقييمهم. لعل أزمة كورونا الحالية واحدة من الأمور التي سرعت السير باتجاه التوظيف الافتراضي، ودفعت إليه؛ إذ في ظل استراتيجيات التباعد الاجتماعي، والخوف من انتشار العدوى، جاءت فكرة التوظيف عن بُعد. وتنطوي هذه الأزمة، منظورًا إليها من جهة التوظيف، على بعض المكاسب الكبيرة؛ فالشركات ستحتفظ بأكفأ وأمهر موظفيها، في حين سيحصل الموظفون على تجربة عمل فريدة، وأكثر حرية، وهو الأمر الذي قد يرفع من مستوى إبداعهم وجودة ما يؤدونه من أعمال.