لا أدرى من أين أبدأ مع ” كورونا”، الذى أصاب الشاب ” ين داو تانج ” بإقليم “ووهان ” الصينى فى 17 نوفمبر 2019، ومنه انتقل إلى العالم ؛ ليقتل مئات الألوف في شهور معدودة ، ويهوي بالاقتصاديات “الديناصورية” العملاقة ، ويسدل الستار عن وهم كبير عاشت فيه أنظمة كثيرة ، ، صدعتنا وذبحتنا بقدرتها الفائقة على إدارة الأزمات ، وإذ هي أمام فيروس صغير لا يساوي جناح بعوضة مرتبكة حائرة ، بل عاجزة عن مقاومة وباء هو الأقل خطرا وشراسة من أربع أوبئة أخرى سبقته عبر التاريخ . ففى عهد الامبراطورية البيزنطية ، قضى طاعون جستنيان على 50 مليون شخص ( نصف سكان الأرض أنذاك ) وفى القرن الرابع عشر الميلادي ظهر الطاعون الأسود وقضى على 200 مليون إنسان ، يليه طاعون لندن العظيم الذى راح ضحيته 100 ألف بريطانى عام 1666 ، وأخيرا الجدري الذى ضرب لعدة قرون الجزيرة العربية وأوروبا والأمريكتين ، قبل أن تعلن منظمة الصحة العالمية القضاء عليه كليا عام 1980 ومع سرعة انتشار كورونا عالميا ، ظننت إننا لن نصمد طويلا ، وكنت أحدث نفسي ” يا الله .. ماذا نفعل وما المصير؟ تسبقني هواجسي.. فالجائحة لا تأبه بإمكانيات صحية عالية وهي ماتتميزبها الدول الغربية مقارنة بدول العالم الثالث ،التي عند مقارنتها بالأمريكيين والإيطاليين والصينيين والبريطانيين والأسبان والفرنسيين تتوقف مندهشا وأنت تشاهدهم يتصدرون قوائم الإصابات والوفيات الآن، وإمكانياتهم الصحية أصابها شلل نصفي أمام هذه الجائحة وإذا بي أستفيق على حقيقة مذهلة ، أننا فى مملكة التحدي ، بفضل من الله ثم بفضل قادتها أقوى من هؤلاء بمراحل بعيدة في التخطيط الجيد لإدارة الأزمات. تلك حقيقة لا ينكرها إلا كل حاقد على نهضة دولة أشادت منظمة الصحة العالمية بقدرتها الفائقة على إستيعاب ما يحدث في العالم من تداعيات متسارعة لفيروس كورونا ، ولا أقول ذلك من فراغ وإنما من واقع نعيشه مع أرقام الاصابات والوفيات والحالات العائدة من الموت .
وإيمانا من أن الطبيعة البشرية تفتقد كثيرا إلى الوعي الذاتي ، ولا تخلو من الإستهتار أحيانا ، جاءت التوجيهات والتعليمات الحاسمة بمنع التجول الجزئي وإيقاف التنقل بين المناطق وتعليق حركة الطيران ، وتلتها إجراءات أخرى مهمة لعلاج الآثار والتداعيات إجتماعيا واقتصاديا ، دعما بالمليارات للفئات المحتاجة وتسهيلات غير عادية لمساندة قطاع الخاص ورعاية المتضررين . ولمسنا جهودا جبارة تبذل من الأجهزة العسكرية و الأمنية والنيابية ، والوزارات والجهات المعنية ولا سيما فى التعليم كل يساهم فى ضبط الشارع ، وتنفيذ تعليمات ولاة الأمر وضوابط التباعد الاجتماعي ومنع التجوال وتطبيق العقوبات التي حددتها النيابة العامة بخمس سنوات سجن وبغرامة 3 ملايين ريال لكل من يخالف تعليمات النشر المضلل وإطلاق الشائعات . وفي مقدمة خط المواجهة ، كانت هناك معركة كبرى لأبطال ( جيشنا الأبيض ) أطباء وممرضين وفنيين ، يقومون بدور عظيم لا يقل عن دور الأجهزة الأمنية فى مكافحة الإرهاب ، يضحون بانفسهم وأرواحهم؛ ليبقى الوطن بقوة وعافية كما عهدناه ، مدعومين بقيادة واعية تستبق عصرها في شجاعة غير مترددة ، لا تتوانى لحظة في اتخاذ القرارات والإجراءات الاحترازية ، حفاظا على أرواح السعوديين والمقيمين، وبمثل هذه الجاهزية والقدرة و التحدي ، كانت دفاعاتنا الجوية تحقق نصرا آخرا باصطيادها لفيروسات الحوثيين وصواريخهم اليائسة على الرياض وجازان ، لتلقن عصابات نظام الملالى درسا مختلفا في عز الأزمة وانشغال العالم بالبلاء.
وشهد العالم بالنموذج الرائد الذي قدمته السعودية فى كيفية التعامل مع جائحة حصدت حتى الآن نحو مليون مصاب وقتيل من 180 دولة تصارع من أجل البقاء ، وكان أصعب القرارات، وقف الصلاة في المساجد وفي بيت الله ومسجد رسوله الكريم ، لحماية المصلين والزائرين والمعتمرين . وسرعان ما وجدنا أنفسنا أمام سيمفونية راقية الأداء من الجهد الحكومي والشعبي التي جعلت المقيمين الغربيين في السعودية يصرّون على البقاء فيها وقت الأزمة بعدما شاهدوا تخاذل حكوماتهم وضعف إمكانياتها
ووقفت مملكة الانسانية بقيادة سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين ، صامدة قوية ترعاها العناية الالهية بمعدلات منخفضة للغاية فى الوفيات والإصابات ، لا تقارن بما يحدث فى أوروبا وأمريكا وعند الجيران .
فبينما تركت بريطانيا رعايها يعودون على حسابهم الشخصي وقال رئيس وزرائها قبل إصابته بالفيروس ( إستعدوا لفراق الأحباب ) في اعتراف صريح بعجز حكومته عن التصدي لكورونا،
أطلقت المملكة أسطولها الجوي لإعادة أبنائها العالقين فى مختلف القارات ، وقال قائدها لشعبه إطمئنوا كلنا على مستوى المسؤولية ولن نبخل عليكم ، وأمر بعلاج أي سعودي ومقيم بل ومخالف للإقامة أصابه الفيروس بالمجان .
ولم تفعل حكومة المملكة مثلما فعلت إيطاليا بنزع جهاز التنفس من كبار السن وتوجيهه للشباب ، ولا تجاهلت أبناءها في الخارج كما فعلت تلك الدولة التي يقال أنه يتصدر جواز سفرها عبارة ” سنحرك من أجلك الاساطيل ، ولم نر في بلادنا ما رأيناه من مأساة في أسبانيا عندما دخل الجيش لإنقاذ مصابين في دار مسنين ، فوجد كل النزلاء أمواتا بعد أن تركهم الموظفون . إنها وربي .. بلدي .. ديار الحرمين .. حماها الله .. . قبلة التحدي .. عظيمة الإنجازات ، قاهرة كورونا ، الذي كشف معادن الشعوب ، وقوة الحكومات ، وأثبت هشاشة النظام العالمي ، وذكّر البشرية بخالقها ، وأعاد ترتيب الانسانية من جديد وجعل السعودية الدولة القدوة الأولى ومثال يحتذى بها حكومة وشعبًا.