د . طلال بن عبدالله الشريف تواجه جامعاتنا السعودية في القرن الواحد والعشرين تحديات كبيرة بفعل الانفتاح العالمي والتقدم المعرفي والتقني وتحول الطالب الجامعي من طالب محلي إلى دولي والجامعات من التنافس المحلي إلى الدولي وتحول متطلبات التنمية البسيطة إلى متطلبات معقدة ومتشعبة ومتجددة. والتنافس بين الجامعات ظاهرة إيجابية للغاية أفرزتها عوامل معاصرة عديدة منها العولمة واقتصاد المعرفة ومعايير الجودة والتصنيفات العالمية للجامعات وعوامل أخرى كثيرة ، وهي أيضاً مؤشر على الاقتصاد القوي لأي بلد لأن الاقتصاد يقوم في جوهرة على كفاءة وفاعلية التعليم العالي في تحقيق التنمية المجتمعية الشاملة ؛ وهو ما يعني الاهتمام بنظام التعليم الجامعي وإصلاحه وتطويره بشكل دوري. وهذا التنافس بين الجامعات يدفعها إلى ضرورة بناء القدرة التنافسية التي تمكنها من تحقيق الميزة التنافسية مع غيرها من الجامعات من حيث استقطاب الموارد البشرية الأفضل وإحداث التخصصات العلمية الأبرز وخلق البيئة الأكاديمية بمقوماتها ومحتوياتها المادية والمالية والمعنوية والمعرفية . وقد استهدفت رؤيتنا الطموحة للملكة دخول خمس جامعات ضمن أفضل (200) جامعة بحلول عام 2030 ؛ وهو هدف سهل المنال في ضوء ما توفره الحكومة من موازنات هائلة للجامعات بل المرجو أن يتضاعف عدد تلك الجامعات باعتبار أن لدينا سبع جامعات عريقة لا عذر لها في أن تكون ضمن الهدف المنشود . والواضح أن لدينا ثلاث جامعات فقط ( الملك عبدالعزير ، الملك سعود ، الملك فهد للبترول والمعادن ) تمتعنا بوجودها في مراكز متقدمة ضمن التصنيفات العالمية المرموقة وغياب العشرات من الجامعات الأخرى وخاصة العريقة منها تحضى بدعم لا يقل كثيراً عن تلك الجامعات. والواقع أن غياب معظم جامعاتنا يعود إلى أسباب كثيرة منها ضعف القيادات الجامعية العليا في ممارسة مهامها التطويرية وانغماسها في الأعمال الروتينية اليومية ، وشيوع المركزية الإدارية وإضعاف سلطة مجالس الأقسام والكليات ، وطغيان المجاملة في كثير من المجالس الأكاديمية ، ضعف سياسات استقطاب الموارد البشرية الأكاديمية ، وضعف مواقعها الإلكترونية. وقصور إجراءات اختيار القيادات في الصف الأول والثاني ، وضعف كفاءة أوجه الإنفاق المالي في ظل نظام نظام البنود الجامد ، وعدم وجود معايير لتقويم الأداء الدوري والسنوي وضعف مخرجاتها التعليمية وقدرتها على التنافس الوظيفي المحلي والدولي ، وقلة البحوث العلمية التطبيقية. وضعف عمليات النشر العلمي في أوعية النشر العالمية وضعف تإثيرها في مجتمعاتها المحلية وقيادة المشروعات التنموية الإنتاجية والثقافية والتوعوية وغياب برامج النمو المهني المؤثرة وغيرها من الأسباب التي يسهل التغلب عليها أو التقليل من آثارها على أقل تقدير . وهنا يجب على جامعاتنا بدون استثناء وبمتابعة ودعم من وزارة التعليم وهيئات التقويم المحلية وبالاستفادة من تجربة الجامعات الثلاث مواجهة هذه التحديات بقوة وبما تملكه رصيد فكري ومعرفي وموارد بشرية ومخصصات مالية عالية مقارنة بغيرها من الجامعات العربية من خلال وضع خطط واضحة المعالم وذات معايير عالية تتضمن بناء قدراتها التنافسية في مجالات التعليم والبحث العلمي وخدمة المحتمع وتطوير مواردها البشرية والمالية. بحيث تنطلق أولاً وقبل كل شيء من تطوير الموارد البشرية وخاصة أعضاء هيئة التدريس بطريقة مختلفة ونوعية من حيث المحتوى المعرفي والمهاري الحديث ومن حيث كفاءة مقدمي الخبرة التدريبية المحليين والدوليين ومن حيث مواقع التدريب الملائمة. ومن حيث المدة الزمنية المناسبة لبرامج التطوير مع الاستعانة بمراكز تدريب وتطوير عالمية معتبرة مع التركيز على إعادة تأهيل القيادات في الجوانب القيادية والإدارية والإنسانية. ثم العمل على إعادة هيكلتها التنظيمية وعملياتها الإجرائية وفق رؤيتها الاستراتيجية لواقعها ولمستقبلها ، وعقد الشراكات المحلية والدولية مع الجامعات ذات التصنيفات المتقدمة وتفعيل تلك الشراكات ببرامج ملموسة لجميع منسوبي الجامعة. وأختم مقالي بالتأكيد على أن نجاح جامعاتنا مرهون بالكفاءة والفاعلية الإدارية لقياداتها باعتبار الإدارة عامل النجاح الأول في الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة.