نحن كبشر بطبيعتنا اجتماعيون، ولا يمكن لأي شخص منا أن يعيش بمفرده مهما حاول ذلك، إلا أن الحياة تجبرنا دائماً على التعرض لمواقف غير مرغوبة لنا وتجعلنا في أحيان كثيرة بمعية من لا نرغب في مجالسته، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن تكون العزلة هي سمتنا والعيش بعيداً عن الناس هو صفتنا ولو كان ذلك افتراضياً، وقد نكتشف بعد سنوات طويلة من مخالطة للناس أننا قد أخطأنا التصرف في حالات كثيرة، ويدفعنا ذلك إلى التساؤل عن سر تلك الأخطاء التي ارتكبناها وكيفية التخلص منها مستقبلاً. والإجابة التي يفترض أن تكون هي الإجابة الصحيحة لهذا السؤال لن تكون طبعاً بالعزلة والابتعاد عن مخالطة الناس، فهذا من المستحيلات التي لا يمكن القيام بها، ولكن التصرف المناسب في مثل تلك الحالات هو الحذر والانتقائية في العلاقات، والشخص الذي يسقط الكلفة مع الناس كثيراً ما يتعرض لمواقف محرجة ولحظات يتمنى لاحقاً أنه لم يعشها، بعكس الشخص الانتقائي الذي يبني علاقاته على أسس صحيحة وأهداف واضحة. تكوين العلاقات هو طبيعة بشرية عامة لدى الناس وقد تصل لدرجة الضرورة في بعض الأحيان، وقد قال الكاتب الأمريكي روبرت شولر : "لقد تعلمت شيئاً واحداً هاماً عن الحياة هو أنني أستطيع أن أفعل أي شيء، لكن لا أستطيع أن أفعل ذلك بمفردي، فلا أحد يستطيع ذلك"، أما الانتقائية في تكوين العلاقات فهو فن لا يجيده الكثير من الناس، عندما تعاشر من تحب وتجلس مع من تود وتتحدث مع من يفهمك تكون نسبة التعرض لتلك الأخطاء قليلة ولا أقول معدومة، والابتعاد عن مخالطة الناس وبالذات من نحب منهم هو ذكاء، وقد قيل في الأثر : "حين يعجبك أحدهم .. حاول أن تبتعد عنه أكثر حتى تراه بصورة أفضل". الاجتماع مع الأصدقاء والأقارب وعامة الناس في الأماكن المحتملة التردد وحتى الاندماج وتكوين المجموعات مع الأصدقاء الافتراضيين في مواقع التواصل الاجتماعي يجعلنا أمام اختبار حقيقي في التعامل مع أنواع البشر المتباينين في أعمارهم وثقافاتهم ومستوياتهم الاجتماعية، فيجب علينا أن لا نبالغ في ردود أفعالنا مع الناس وألا ننخدع بهم من أول مقابلة؛ لأن المقابلة الأولى دائماً ما تكون أشبه بالتمثيلية التي يتظاهر فيها كل شخص بما ليس فيه، وعلينا أيضاً أن نتحكم في انفعالاتنا ونضبط أعصابنا في مواقف كثيرة، فقد تجبرنا الأيام على مجالسة المرضى بفئاتهم النفسية والعقلية والجسدية ونحن لا نعلم عن مرضهم، والتمادي في الحديث معهم ظناً منا أنهم طبيعيون يجعلنا نندم أيما ندم عندما نكتشف أننا أخطأنا في التعامل معهم وكان الأجدر بنا أن نتجاهلهم؛ لكن الدافع الذي يجعلنا نقوم بتلك التصرفات هو التلقائية لدينا في الحديث معهم والانجراف أحياناً مع ذلك التيار السلبي وخصوصاً عندما نكون بحضرة العديد من الأشخاص. إنني أغبط أولئك الصامتون أمام الناس وفي مواقع التواصل الاجتماعي على هدوئهم وبعدهم عن الحراك الاجتماعي الذي يحيط بهم، ولا أغبطهم على تلك الشخصيات الغامضة التي يتصفون بها، فهم لا يتحدثون إلا قليلاً ولا يعملون إلا قليلاً ولا يذكرون إلا قليلاً، وبالتالي فهم بعيدين كل البعد عن التعرض لتلك المواقف، فالشخص منهم عديم التأثير إن حضر لم يذكر وإن غاب لم يفقد. شويش الفهد