لم تكن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الإندونيسيين إلى توحيد الجهود لمواجهة التطرف والإرهاب والتدخل في شؤون البعض، إلا مقدمة لمرحلة جديدة ومختلفة من العلاقات مع دولة يعيش فوق أرضها أكثر من 240 مليون مسلم، يمثلون رقمًا مهمًا لأهل السنة في العالم. ونجاح السعودية في ضم جاكرتا إلى تحالف أو قائمة الدول المناهضة للإرهاب رغم اعتراض بعض الدول الكبرى يعد مكسبًا كبيرًا للمسلمين في هذا الوقت العصيب، وينهي مرحلة الاتهامات التي كانت توجه لهذا البلد الإسلامي بأنها من الدول المصدرة للإرهاب والتطرف، استنادًا إلى ما شهدته أراضيها من جرائم إرهابية وتورط عدد من مواطنيها في عمليات دامية بدول مختلفة، نفذتها "جماعة الدفاع عن الإسلام" و"الجماعة الإسلامية"، التي تعد من أخطر المنظمات الإرهابية في العالم وترتبط بعلاقة قوية مع تنظيم القاعدة، وتهدف إلى إقامة دولة إسلامية في إندونيسيا وبقية أجزاء جنوب شرقي آسيا، ونفذت أكثر من 50 تفجيرًا واعتداء أشهرها تفجيرات "بالي" عام 2002 وراح ضحيتها أكثر من 200 قتيل. وتهدف السعودية من هذه الخطوة إلى سد أي منفذ يمكن أن تتسلل منه إيران ودعاة التطرف والطائفية إلى تلك المنطقة الآسيوية ذات الثقل الإسلامي الكبير أو كما قال الملك سلمان أمام المئات من أعضاء مجلس الشعب الاستشاري الإندونيسي "إن التحدي الذي يواجهه المسلمون هو الإرهاب والتطرف.. وعلينا رص الصفوف في مكافحتهما، والسعي إلى تحقيق السلام العالمي لصالحنا جميعًا". ودعمًا لهذا التوجه قررت المملكة تكريم ضحايا وحدة النخبة الإندونيسية لمكافحة الإرهاب الذين قتلوا خلال تصديهم للإرهاب، بتوفير الحج المجاني لأسرهم، كما قررت زيادة عدد الحجاج الإندونيسيين هذا العام. ولم يأت دعم الرياضلجاكرتا في مجال مكافحة الإرهاب من فراغ، وإنما من جهود كبيرة بذلتها الحكومة الإندونيسية، بدأتها عام 2002، حينما أصدرت مرسومين بشأن الإرهاب وانفجارات بالي يتضمنان توقيع عقوبة الإعدام بحق من يدانون بارتكاب أعمال إرهابية، تلى ذلك وضع إندونيسيا خطة وطنية لنزع التطرف. وتجسيدًا لنجاح الجهود السعودية في إزالة وصمة الإرهاب عن إندونيسيا، تسعى جاكرتا حاليًا إلى إثبات جديتها في مجال مكافحة أخطر آفة تهدد العالم، وذلك بالتنسيق والترتيب مع أجهزة الاستخبارات العالمية والأخرى المعنية بمكافحة الإرهاب، وخاصة الأجهزة السعودية باعتبارها الأكثر نجاحًا وخبرة في مكافحة الإرهاب بمختلف أنواعه. وشرعت وكالة مكافحة الإرهاب بإندونيسيا، وبالتعاون مع الاستخبارات السعودية في تنفيذ برنامج لمنع تطرف الشباب الإندونيسي وإعادة تأهيل الإرهابيين السابقين؛ اهتداء بما تم في "مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة". وتعد هذه الخطوة من أهم الخطوات التى ستساعد جاكرتا في مكافحة الإرهاب، إذا ما علمنا أن إندونيسيا يوجد بها عشرات الإرهابيين المحكومين في 72 سجنًا، فضلاً عن 478 من الإرهابيين السابقين الذين انتهت فترة عقوبتهم، ويحصلون على برامج إعادة تأهيل. إن نجاح المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين في مساعدة إندونيسيا وإقناع الدول الكبرى برغبة جاكرتا في إزالة وصمة الإرهاب عنها، لا يعد فقط انتصارًا سياسيًا ودبلوماسيًا للمملكة، صنعت من خلاله شراكة آسيوية عالمية جديدة لمواجهة التطرف، وإنما انتصار للإنسانية التي ستكسب دولة إسلامية كبرى تسعى مع الدول الصديقة والشقيقة بقيادة السعودية وحلفائها في القضاء على الإرهاب العالمي، وتحقيق الأمن والسلم الدوليين.